قلت: (فتنقلبوا) : منصوب بأن في جواب النهي، أو عطف على المجزوم، و (ما داموا) : بدل من (أبدًا) بدل بعض، و (أخي) يحتمل النصب عطف على (نفسي)، أو رفع عطف على (أن) مع اسمها، أو مبتدأ حُذف خبره، أو جر عطف على ياء المضاف، على مذهب الكوفيين.
يقول الحق جلّ جلاله حاكياً عن موسى- عليه السلام-: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ أرض بيت المقدس، قدسها الله، حيث جعلها قرار أنبيائه ومسكن المؤمنين. وفي مدحها أحاديث كثيرة. وقيل: الطور وما حوله، أو دمشق وفلسطين، أو الشام، الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ أي: التي كتب اللهُ في اللوح المحفوظ، أنها لكم مسكنًا إن جاهدتم وأطعتم نبيكم، وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ أي: لا ترجعوا مدبرين هاربين خوفًا من الجبابرة، أو: لا ترتدوا عن دينكم بالعصيان، وعدم الوثوق بالله، فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ الدنيا والآخرة. رُوِي أنهم لما سمعوا حالهم من النقباء بكوا، وقالوا: ليتنا متنا بمصر، تعالوا نجعل علينا رأسًا ينصرف بنا إلى مصر، ثم قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ أقوياء متغالبين، لا طاقة لنا بمقاومتهم، وهم قوم من العمالقة، من بقية قوم عاد، وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها بأمر سماوي، أو يُسلط عليهم مَن يُخرجهم من غيرنا، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ فيها.
قالَ رَجُلانِ كالب بن يوقنّا، ويوشع بن نون- ابن آخت موسى وخادمه- مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ الله، أو رجلان من الجبابرة أسلما وصارا إلى موسى، وعليه قراءة يُخافان بضم الياء، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالإسلام والتثبت، قالا: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ أي: باب المدينة، أي: باغِتوهم بالقتال، فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ أي: ظاهرون عليهم، فإنهم أجسام لا قلوب فيها. يحتمل أن يكون علمهما بذلك من قِبل موسى، أو من قوله تعالى: الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، أو من عادته سبحانه في نصر رسله وأوليائه، وما عَهِدا من صنيعه تعالى مع موسى من قهر أعدائه. ثم قال: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ به، ومصدقين لوعده.
قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها، وهذا من تعنتهم وعصيانهم، وأشنعُ منه قولهم:
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، قالوه استهزاء بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما، وانظر فضيلة الأمة