أهل الفساد، أو بإصابة رأيها، فإنها كانت تقول لإبراهيم: اضمم إليك لوطاً، فإني لأعلم أن العذاب نازل بهؤلاء القوم. وقيل: معنى ضحكت: حاضت. يقال: ضحكت الشجرة: إذا سال صَمغُها. وقيل: ضحكت سروراً بالولد الذي بُشرت به. فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: فبشرناها فضحكت، وهو ضعيف.
قال تعالى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ ولد ولدها. وتوجيه البشارة إليها لأنه من نسلها، ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد، قالَتْ يا وَيْلَتى يا عجباً، وأصله في الشر، فأطلق على كل أمر فظيع. وقرىء بالياء على الأصل، أي: يا ويلتي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ ابنة تسعين، أو تسع وتسعين وَهذا بَعْلِي: زوجي، وأصله: القائم بالأمر، شَيْخاً ابن مائة أو مائة وعشرين سنة، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ يتعجب منه لكونه نشأ الولد من هرمين.
وهو استغراب من حيث العادة، لا من حيث القدرة، ولذلك قالوا: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ منكرين عليها، فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة، ومهبط الوحي ومظهر المعجزات. وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع، ولذلك قالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ أي: بيت إبراهيم، فلا تستغرب ما يظهر منهم من خوارق العادات، لا سيما من نشأت وشابت في ملاحظة الآيات، إِنَّهُ تعالى حَمِيدٌ فاعل ما يستوجب به الحمد، أو محمود على كل حال، مَجِيدٌ كثير الخير والإحسان. أو ممجَّد بمعنى العلو والشرف التام. قال ابن عطية هنا: إن في الآية دليلاً على ان الذبيح إسماعيل لا إسحاق. وفيه نظر «١». وسيأتي في سورة الصافات ما هو الحق، إن شاء الله تعالى.
الإشارة: من شأن أهل الكرم والامتنان: المبادرة إلى من أتاهم بالبر والإحسان إما بقوت الأرواح، أو بقوت الأشباح. من أتاهم لقوت الأرواح بادروه بإمداد الروح من اليقين والمعرفة، ومن أتاهم لقوت الأشباح بادروه بالطعام والشراب، كُلاً ما يليق به، ومن شأن الضيف اللبيب المبادرة إلى أكل ما قُدِّمَ إليه، من غير اختيار، إلا لمانع شرعي أو عادي. ومن شأن أهل التحقيق والتصديق ألا يتعجبوا مما يظهر من القدرة من الخوارق إذ القدرة صالحة لكل شيء، حاكمة على كل شيء، هي تحكم على العادة، لا العادة تحكم عليها. وهذا شأن الصديقين لا يتعجبون من شيء ولا يستغربون شيئاً، ولذلك توجه الإنكار إلى سارة من الملائكة، ولم يتوجه إلى مريم حيث سألت استفهاماً، ولم تتعجب، ووصفت بالصديقية دون سارة. والله تعالى أعلم.
ولما تحقق إبراهيم عليه السّلام بهلاك قوم لوط أسف عليهم، كما قال تعالى:
[سورة هود (١١) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)