لك، وقل كما رَضي لك: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وافهم هاهنا قوله صلى الله عليه وسلم:
«لا حول ولا قوة إلاَّ بالله كَنْزٌ من كُنُوزِ الجنة» «١». وفي رواية أخرى: «كنز من كنوز تحت العرش».
فالترجمة: «٢» ظاهر الكنز، والمكنوز فيها: صدق التبري من الحول والقوة، والرجوع إلى حول الله وقوته.
ثم ضرب مثلا فى سرعة ذهابها وفنائها، فقال:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
قلت: كَماءٍ: خبر عن مضمر، أي: هي كماء، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانيا لا ضرب، على أنه بمعنى «صيِّر».
يقول الحق جلّ جلاله: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: واذكر لهم ما يشبهها في زهرتها ونضارتها، وسرعة انقراضها وفنائها لئلا يطمئنوا إليها ويغفُلوا عن الآخرة، هي كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ وهو المطر، فَاخْتَلَطَ بِهِ أي: بسببه نَباتُ الْأَرْضِ بحيث التف وخالط بعضُه بعضًا من كثرته وتكاثفه، ثم مرت مدة قليلة فَأَصْبَحَ هَشِيماً أي: مهشومًا مكسورًا، تَذْرُوهُ الرِّياحُ أي: تُفرقه وتطيره، كأن لم يَغْنَ بالأمس، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً: قادرًا، ومن جملة الأشياء: الإفناء والإنشاء.
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: مما تذروه رياح الأقدار، ويلحقه الفناء والبوار، ويدخل في الزينة:
الجاهُ، وجميعُ ما فيه للنفس حظ فإنه يفنى ويبيد، ثم ذكر ما لا يفنى فقال: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ وهي أعمال الخير بأسرها، أو: الصلوات الخمس، أو: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»، زاد بعضهم: «ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم». قال عليه الصلاة والسلام: «هي من كنز الجنة، وصفايا الكلام، وهن الباقيات الصالحات، يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات» «٣».
(٢) أي: اللفظ والكلام المنطوق به.
(٣) أخرجه الطبراني فى الأوسط (٤/ ٢٢٠ ح ٤٠٤٧) بلفظ: «قولوا: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن يأتين يوم القيامة مستقدمات ومنجيات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات»، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.