وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ أي: ومثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الدين المجمع عليها، أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا أي: يحكم في القضايا والوقائع، بما تقتضيه الحكمة، مترجماً بلسان العرب ليسهل عليهم فهمه وحفظه.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ التي يدعونك إليها كتقرير دينهم، والصلاة إلى قبلتهم بعد ما حُوِّلْتَ عنها، بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ بنسخ ذلك، ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ينصرك، وَلا واقٍ يقيك عتابه. وهو حسم لأطماعهم، وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم. وبالله التوفيق.
الإشارة: الفرح بما أُنزل من عند الله هو مقدمات الفرح بالله، فإذا رفعت أكنة الغفلة عن القلب تلذذ بسماع الخطاب من وراء الباب، وذلك أمارة القرب. وهذا مقام أهل المراقبة من المحبين. فإذا جدَّ في السير رُفعت عنه الحجب والأستار، وواجهته الأنوار والأسرار، فيكاشف بأسرار الذات وأنوار الصفات، فيتلذذ بشهود المتكلم، فيسمع حينئذٍ الكلام من المتكلّم به بلا واسطة. وهذا مقام أهل الشهود من المحبين المقربين. (ومن الأحزاب)، وهم أهل الرئاسة والجاه، من ينكر وجود بعض هذه المقامات تعصباً وحمية. أو ينسبها لنفسه غلطاً وجهلاً، فيقول له من تحقق بهذا المقام: إنما أمرتُ أن أعبدَ اللهَ ولا أشرك به، إليه أدعو وإليه مآب. ويغيب عنه بالاشتغال بالله، وبالدعاء إليه. فإن غفل واشتغل به، أو ركن إلى قوله، قيل له: ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق.
ولما قالت اليهود- لعنهم الله- لو كان محمد رسولا لما أولع بالنساء، ردّ الله عليهم بقوله:
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩)
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ يا محمد، وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً كثيرة:
كداود عليه السلام كان له مائة امرأة، وابنه كان له ألف، على ما قيل، وغيرهما من الأنبياء والرسل. وَجعلنا لهم منهن ذُرِّيَّةً، وأنت يا محمد منهم فليس ببدع أن يكون الرسول بشراً، يتزوج النساء، ويحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر، إلا أنه لا يشغله ذلك عن أداء الرسالة، ونصيحة الأمة، وإظهار شريعة الدين، والقيام بحقوق رب العالمين. ولما أجابهم بشبهتهم قالوا: أظهر لنا معجزة كما كانت لهم، كالعصا وفلق البحر، وإحياء الموتى؟ فإنزل الله وَما كانَ لِرَسُولٍ ما صح له ولم يكن في وسعه أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ تُقترح عليه، ويظهرها إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وإرادته فإنه القادر على ذلك. لِكُلِّ أَجَلٍ من آجال بني آدم وغيرهم، كِتابٌ يُكتب فيه وقت موته، وانتقاله من الدنيا.