وإنما فوض اللعينُ أمرَ الوعد إلى موسى عليه السلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب ودخول الرعب إليه، وإظهار الجلادة، بإظهار أنه متمكن من تهيئَة أسباب المعارضة، طال الأمر أو قصر، كما أن تقديم ضميره على ضمير موسى عليه السلام، وتوسيط كلمة «النفي» بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الاختلاف.
وقوله تعالى: مَكاناً سُوىً أي: يكون ذلك الوعد- أي: وعد الاجتماع- في مكان مستوٍ، تستوي مسافته بيننا وبينك، عدلاً، لا ظلم على أحد في الإتيان إليه، منا ومنك، وفيه لغتان: ضم السين وكسرها.
قالَ لهم موسى عليه السلام: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ أي: مكان الزينة لأن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم، وهو يوم عيد لهم، في كل عام يتزينون ويجتمعون فيه، وقيل: يوم النيروز،. وقيل: يوم عاشوراء، وقيل: يوم سوق لهم. وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى أي: موعدكم يوم الزينة، وحشرُ الناس ضحى، أو يوم حشر الناس في وقت الضحى، يجتمعون نهارًا جهارًا، أراد عليه السلام أن يكون أبلغ في إظهار الحجة وإدحاض الباطل، بكونه على رؤوس الأشهاد. والله تعالى أعلم.
الإشارة: من سبق له البعد عن الرحمن، لا ينفع فيه خوارق معجزاتٍ، ولا قاطع برهان ودليل، أبعده التكبر والطغيان، ودفعُ الحق بالباطل. نعوذ بالله من موارد الخذلان.
ثم ذكر جمعهم، وما كان من شأنهم، فقال:
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٦٠ الى ٦٩]
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤)
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩)