قلت: خبر «إن» : محذوف، يدلّ عليه ما بعده، أي: الذين كفروا نذيقهم من عذاب أليم لأنه إذا كان الملحِدُ في الحرم معذّبا فالجامع بين الكفر والصد أَولى. ومن رفع «سواء» جعله خبرًا مقدمًا. و «العاكف» :
مبتدأ. ومن نصبه: جعله مفعولَ «جعل»، و «العاكف» فاعل به.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أي: واستمروا على الصد، ولذلك حسن عطفه على الماضي، وَيصدون أيضًا عن الْمَسْجِدِ الْحَرامِ والدخول فيه، كأهل مكة مع المسلمين، الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ أي: مقامًا ومسكنًا للناس، كائنًا من كان، لا فرق فيه بين مكي وآفاقي، وضعيف وقوي، حاضر وباد. فإن أُريد بالمسجد الحرام «مكة»، ففيه دليل على أن دور مكة لا تُباع، وأن الناس فيها سواء، فيجوز للقادم أن ينزل منها حيث شاء، وليس لأحد فيها مِلك. وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك وغيره: ليست الدور فيها كالمسجد، بل هي مُتَمَلَّكَةٌ. وإن أريد به البيت كان نصًا في إباحته لجميع المؤمنين. وهو مجمع عليه.
سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ أي: مستوٍ المقيم فيه وَالْبادِ، أي: المسافر من أهل البادية، وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ أي: في المسجد، إحداث شيء بِإِلْحادٍ أي: بسبب ميل عن القصد، بِظُلْمٍ، وهما حالان مترادفان، أي: ومن يرد فيه إحداث شيء مائلاً عن الحق، ظالمًا فيه، نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ في الآخرة.
وكل من ارتكب فيه ذنبًا فهو كذلك.
وَاذكر يا محمد إِذْ بَوَّأْنا: حين هيأنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ وعيناه له، حتى بناه في مكانه مسامتًا للبيت المعمور، حيث كان بناه آدم عليه السلام، وقد كان رُفع إلى السماء الرابعة، أيام الطوفان، وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم اللهُ إبراهيم مكانه، بريح أرسلها، يقال لها: الخَجُوح، فكنست مكان البيت، وقيل: سحابة على قدر البيت، وقيل: كلمته، وقالت له: ابنِ على قَدري. هـ. فبناه على أساسه القديم «١»
، وفي ابن حجر: أنه جعل طوله في السماء تسعة أذرع، ودوره في الأرض ثلاثين ذراعًا بذراعه. وأدخل الحِجْر في البيت، وكان قبل ذلك لغنم