مِنَ السَّماءِ إلى الأرض لأنه يسقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر. وقيل: هو إشارة إلى ما يكون له حين يصعد بروحه عند الموت، فتطرح من السماء إلى الأرض. قاله ابن البنا. فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أي: تتناوله بسرعة، فالخطف والاختطاف: تناول الشيء بسرعة لأن الأهواء المردية كانت توزع أفكاره، أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ أي: تسقطه وتقذفه. والهوى: السقوط. فِي مَكانٍ سَحِيقٍ: بعيد لأن الشيطان قد طرحه في الضلال والتحير الكبير. والله تعالى أعلم.
الإشارة: جعل الحقُّ تعالى شكرَ النعم أمرين: طهارة الباطن من شرك الميل إلى السِّوى، ولسانه من زور الدعوى، وهو الترامي على مراتب الرجال قبل التحقق بها، حنيفًا موحدًا، شاكرًا لأنعمه يجتبيه ربه، ويهديه إلى صراط مستقيم. ومن يشرك بالله بأن يُحب معه غيره، فقد سقط عن درجة القرب والتحقيق، فتخطفه طيور الحظوظ والشهوات، وتهوي به ريح الهوى، في مكان سحيق. والعياذ بالله.
ثم حضّ على الاعتناء بشأن الهدايا، فقال:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٢ الى ٣٧]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)
لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)
يقول الحق جلّ جلاله: ذلِكَ أي: الأمر ذلك، أو امتثلوا ذلك، وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ أي:
الهدايا، فإنها معالم الدين وشعائره تعالى، كما ينبىء عنه: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وتعظيمها: اعتقاد التقرب بها، وأن يختارها سِمَانًا حسانًا غالية الأثمان، روى «أنه ﷺ أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةِ، فِيهَا جَمَلٌ لأَبِي جَهْلٍ، في


الصفحة التالية
Icon