قلت: «سيناء»، مَنْ فتحها: جعل همزتها للتأنيث، فلم يصرفه للتأنيث والوصف، كحمراء، أو لألف التأنيث، لقيامه مقام علتين، ومن كسرها: لم يصرفه للتعريف والعجمة، وهذا البناء ليس من أبنية التأنيث، وإنما ألفُهُ ألف الإلحاق، كعلِباء وجِرباء. ونبت وأنبت: لغتان بمعنى واحد، وكذلك سقى وأسقى.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ، وهي السموات السبع، جمع طريقة لأنها طرق الملائكة وتقلباتها، وطرق الكواكب، فيها مسيرها، وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ، أراد بالخلق السموات، كأنه قال: خلقناها وما غفلنا عن حفظها وإمساكها، أو الناس، أي: خلقناها فوقكم لنفتح عليكم منها الأرزاق والبركات، وما كنا غافلين عنكم وعما يصلحكم، أو: خلقناها فوقكم، وما حالت بيننا وبينكم، بل نحن أقرب إليكم من كل شيء، فلا نغفل عن شيء من أمركم، قلَّ أو جلَّ.
وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماء هو المطر، وقيل: الأنهار النازلة من الجنة، وهي خمسة: سَيْحُون نهر الهند، وَجَيْحونُ نهر بلخ، ودِجْلَةُ والفُراتُ نهرا العراق، والنيل نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة. هـ. وقوله تعالى: بِقَدَرٍ أي: بتقدير، يَسْلَمون معه من المضرة، ويصلون إلى المنفعة، أو بمقدار ما علمنا بهم من الحاجة، أو: بقدر سابق لا يزيد عليه ولا ينقص، فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ أي: جعلناه ثابتاً قاراً فيها، كقوله: فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ «١»، فماء الأرض كله من السماء، وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ أي:
إزالته بالإفساد والتغوير، بحيث يتعذر استنباطه، لَقادِرُونَ كما كنا قادرين على إنزاله، وفي تنكير «ذهاب» :
إيماء إلى كثرة طرقه، ومبالغة في الإيعاد به، ولذلك كان أبلغ من قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ «٢».
ثم ذكر نتائجه، فقال: فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ أي: بذلك الماء جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ، لَكُمْ فِيها أي:
في الجنات، فَواكِهُ كَثِيرَةٌ تتفكهون بها سوى النخيل والأعناب، وَمِنْها تَأْكُلُونَ أي: من الجنات تأكلون
(٢) الآية ٣٠ من سورة الملك.