الموت، إِنْ ما هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيما يدَّعيه من الإرسال، وفيما يَعدنا من البعث، وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ: بمصدِّقين بما يقول.
قالَ هود، أو صالح- عليهما السّلام- بعد ما سلك في دعوتهم كل مسلك، متضرعاً إلى الله- عزَّ وجَلَّ-:
رَبِّ انْصُرْنِي عليهم، وانتقم منهم بِما كَذَّبُونِ أي: بسبب تكذيبهم إياي وإصرارهم عليه، قالَ تعالى إجابة لدعائه: عَمَّا قَلِيلٍ أي: عن زمان قليل، زيدت «ما»، بين الجار والمجرور لتأكيد معنى القلة، أو نكرة موصوفة، أي: عن شيء قليل لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ عما فعلوا من التكذيب، وذلك عند معاينتهم العذاب.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، لعلهم، حين اصابتهم الريح العقيم، أُصيبوا في تضاعيفها بصيحة هائلة من صوته. أو يراد بها: صرير الريح وصوته. وقد رُوي أن شَدَّاداً حين أتم بناء إرم، سار إليها بأهله، فلما دنا منها بعث الله عليهم صيحة من السماء، فهلكوا، وقيل: الصيحة: العذاب المصطلِم، قال الشاعر:
صَاحَ الزَّمانُ بآلِ فُدَكٍ صيحة | خرّوا لشدّثها، على الأذقان |
الإشارة: من عادة الحق- سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم: اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي: أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم: ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، ومادروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤)