قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه: ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها، والنعمة التي ألهم بها الحمد أفضل من الأولى لأن الشكر يستوجب المزيد. وفي أخبار داود عليه السلام أنه قال: إلهي، ابنُ آدمَ ليس فيه شعرة إلا وتحتها نعمة، وفوقها نعمة، فمن أين يكافئها؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا داود، إني أُعْطِي الكثير وأرْضَى باليسير، وإنَّ شكر ذلك أن تعلم أن ما بك من نعمة فمنى. هـ.
ومن جملة النعم التي يجب الشكر عليها- وهى التي بدّلها الكفار كفرا- عمارة بيت الله الحرام، ودعاء إبراهيم عليه السّلام، الذي أشار إليه الحق تعالى بقوله:
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٥ الى ٣٨]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨)
قلت: قال هنا: اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ بالتعريف، وقال في سورة البقرة: بَلَداً»
بالتنكير، قال البيضاوي:
الفرق بينهما أن المسئول في الأول- أي: في التعريف- إزالة الخوف وتصييره أمنا، وفى الثاني جعله من البلاد الآمنة. هـ. وفرَّق السهيلي: بأن النبي ﷺ كان بمكة حين نزول آية إبراهيم لأنها مكية فلذلك قال فيه: «الْبَلَدَ» بلام التعريف التي للحضور، بخلاف آية البقرة، فإنما هى مدنية، ولم تكن مكة حاضرة حين نزولها، فلم يُعرفها بلام تعريف الحضور. هـ. قال ابن جزي: وفيه نظر لأن ذلك كان حكاية عن إبراهيم عليه السلام، وَلآ فرق بين كونه بالمدينة أو بمكة. هـ.
قلت: لا نظر فيه لأن الحق تعالى لم يحك لنا قصص الأنبياء بألفاظهم، وإنما ترجم عنها بلسان عربي، فينزل على رعاية مقتضى الحال. ولذلك اختلفت الألفاظ في قصص الأنبياء لأن كل قصة تنزل على ما يقتضيه المقام والحال، من تعريف وتنكير، واختصار وإطناب. وقد ذكر أبو السعود في سورة الأعراف ما يؤيد هذا، فانظره. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جل جلاله: وَاذكر إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ يعني: مكة، آمِناً لمن فيها من أغدرة الناس عليها، أو من الخسف والعذاب، أو من الطاعون والوباء، وَاجْنُبْنِي أي: امنعني