وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ أي: فاعلون ما يغيظنا، وتضيق به صدورنا، وهو خروجهم من مصر، وحملهم حُلينا، وقتلهم أبكارنا، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أي: ونحن قوم عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى إطفاء ثائرته وحسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن العجز. وقرئ: (حذرون) «١» بالمد والقصر، فالأول دال على تجد الحذر، والثاني على ثبوته.
قال تعالى: فَأَخْرَجْناهُمْ أي: خلقنا فيهم داعية الخروج وحملناهم عليه، مِنْ جَنَّاتٍ بساتين وَعُيُونٍ وأنهار جارية، وَكُنُوزٍ أموال وافرة من ذهب وفضة، وسماها كنوزاً لأنهم لم يُنفقوا منها في طاعة الله تعالى شيئاً. وَمَقامٍ كَرِيمٍ أي: منزل رفيع بَهيّ، وعن ابن عباس: المنابر.
كَذلِكَ أي: الأمر كذلك، أو: أخرجناهم مثل ذلك الإخراج العجيب، فهو خبر، أو: مصدر تشبيهى لأخرجنا. وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ أي: ملكناها إياهم، على طريقة تمليك مال الموروث للوارث لأنهم ملكوها من حين خروج أربابها عنها قبل أن يقبضوها. وعن الحسن: لما عبروا النهر رجعوا، وأخذوا ديارهم وأموالهم. هـ. قال ابن جزي: لم يذكر في التواريخ مُلك بني إسرائيل لمصر، وإنما المعروف أنهم ملكوا الشام، فتأويله على هذا: أورثناهم مثل ذلك بالشام. هـ. قلت: بل التحقيق أنهم ملكوا التصرف في مصر، ووصلت حكومتهم إليها، ولم يرجعوا إليها. والله تعالى أعلم.
الإشارة: لا ينتصر نبيّ ولا وليّ إلا بعد أن يهاجر من وطنه سنة الله التي قد خَلَتْ مِن قَبْلُ، وَلَن تجد لسنة الله تبديلا، والنصرة مقرونة مع الذلة والقلة وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ. وبالله التوفيق.
ثم ذكر معجزة فلق البحر وغرق فرعون، فقال:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٦٠ الى ٦٨]
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤)
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨)