يقول الحق جلّ جلاله: كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ، وهي قبيلة، ولذلك أنَّث الفعل، وفي الأصل: اسم رجل، هو أبو القبيلة. إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نسباً، هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، وقد مر تفسيره، فَاتَّقُوا اللَّهَ في تكذيب الرسول الأمين، وَأَطِيعُونِ فيما آمركم به وأنهاكم عنه، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ، وتصدير القصص بتكذيب الرسل والأمر بالطاعة للدلالة على أن مبنى البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق، والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب، ويُبعده من العقاب، وأنَّ الأنبياء- عليهم السلام- مُجْمِعون على ذلك، وإن اختلفوا في فروع الشرائع، المختلفة باختلاف الأزمنة والأعصار، وأنهم منزهون عن المطامع الدنيئة، والأغراض الدنيوية بالكلية.
ثم وبَّخهم بقوله: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ: مكان مرتفع، ومنه: ريع الأرض لارتفاعها، وفيه لغتان: كسر الراء وفتحها. آيَةً علَماً للمارة، كانوا يصعدونه ويسخرون بمن يمر بهم. وقيل: كانوا يسافرون ولا يهتدون إلا بالنجوم، فبنوا على الطريق أعلاماً ليهتدوا بها عبثاً، وقيل: برج حمام، دليله: تَعْبَثُونَ أي: تلعبون ببنائها، أو: بمن يمر بهم على الأول، وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ، مآخذ الماء، أو قصوراً مشيدة، أو حصوناً، وهو جمع مصنع، والمصنع: كل ما صنع وأتقن في بنيانه، لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ أي: راجين الخلود في الدنيا، عاملين عمل من يرجو ذلك، أو كأنكم تخلدون.
وَإِذا بَطَشْتُمْ بسوط او سيف، أو أخذتم أحداً لعقوبة بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ مسلطين، قاسية قلوبكم، بلا رأفة ولا رقة، ولا قصد تأديب، ولا نظراً للعواقب. والجبار الذي يضرب أو يقتل على الغضب. فَاتَّقُوا اللَّهَ في البطش، وَأَطِيعُونِ فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ من ألوان النعماء وأصناف الآلاء. ثم فصّلها بقوله: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ فإن التفصيل بعد الإجمال أدخل في القلب. وقرن البنين بالأنعام لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام بها.
وَجَنَّاتٍ بساتين وَعُيُونٍ: أنهار خلال الجنات، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إن عصيتموني، أو: إن لم تقوموا بشكرها فإن كفران النعم مستتبع للعذاب، كما أن شكرها مستلزم لزيادتها، قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ «١».