وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ صدقة، تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ تبتغون به وجهه خالصاً، لا تطلبون به زيادة، ولا مكافأة، ولا سمعة، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ أي: ذوو الأَضْعَافِ من الحسنات، من سبعمائة فأكثر. ونظير المُضْعِفِ: المقوي، والموسر، لذي القوة واليسار. والالتفات إلى الخطاب في (أولئك... ) إلخ في غاية الحسن لما فيه من التعظيم، كأنه خاطب الملائكة وخواص الخلق تعريفاً بحالهم، وتنويهاً بقدرهم، ولأنه يفيد التعميم، كأنه قيل: مَنْ فَعَلَ هذا فسبيله سبيل المخاطبين المقبول عليهم. ولا بد من ضمير يعود إلى «ما» الموصولة، أي:
المضعفون به. أو: فَمُؤْتُوه أولئك هم المضعفون. وقال الزجاج: أي: فأهلها هم المضعفون، أي: يضاعف لهم الثواب، من عشر إلى سبعمائة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: البسط والقبض يتعاقبان على العبد تَعَاقُبَ الليل والنهار. فالواجب على العبد: الرجوعُ إلى الله في السراء والضراء، فالبسط يشهد فيه المنّة من الله، ومقتضى الحق منك الحمدُ والشكر. والقبض يشهده من الله امتحاناً وتصفية، ومقتضى الحق منك الصبرُ والرضا، وانتظار الفرج من الله فإن انتظار الفرج، مع الصبر، عبادة. قال القشيري: الإشارة إلى ألا يُعلِّق العبدُ قلبَه إلا بالله لأن ما يسوءهم ليس زواله إلا من الله، وما يسرهم ليس وجودُه إلا من الله. فالبسطُ، الذي يسرهم ويؤنسهم منه، وجوده، والقبض، الذي يسوءهم ويوحشهم منه، حصولُه. فالواجب: لزوم [عهوده بالإسرار] «١»، وقطعُ الأفكار عن الأغيار. هـ.
وقال في قوله: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ: القرابة على قسمين قرابةُ النسب وقرابةُ الدين، وهي أمسُّ، وبالمواساة أحقّ. وإذا كان الرجلُ مشتغلا بالعبادة، غيرُ متفرَغ لطلب المعيشة، فالذي له إيمان بحاله، وإشرافٌ على وقته، يجب عليه أن يقوم بشأنه، بقدر ما يمكنه، مما يكون له عونٌ على طاعته، مما يشوش قلبه، من حديث عياله، فإن كان اشتغال الرجل بشيء من مراعاة القلب فحقّه آكد، وتَفَقُّدَه أوْجَب، ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، والمريدُ هو الذي يُؤْثِرُ حقَّ الله على حظِّ نَفْسِه. فإيثارُ الإخوان، لمن يريد وجه الله، أتمُّ من مراعاة حال نفسه، فهمّه بالإحسان لذوي القربى والمساكين يتقدم على نظره لنفسه وعَيْلَتِهِ، وما يهمه من نصيبه. هـ.
وقال في قوله: يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ: لا تستخدم الفقير بما تُريده به من رفق، بل أفضل الصدقة على ذي رَحمٍ كاشح، أي: قاطع حتى يكون إعطاؤُه لله مجرداً عن كل نصيبٍ لَكَ. فهؤلاء هم الذين يتضاعِفُ أجِرْهم بمجاهدتهم [لنفوسهم] «٢»، حيث يخالفونها، وفوزهم بالعِوَضِ من قِبَل الله. ثم الزكاة هي التطهير، فتطهيرُ المال
(٢) فى الأصول [لنفسهم].