ثم ذكر أبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمومة أزواجه لجميع أمته، فقال:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٦]
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)
يقول الحق جلّ جلاله: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ أي: أحق بهم في كل شيء مَنْ أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فإنه لا يأمرهم، ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، فيجب عليهم أن يبذلوها دونه. ويجعلوها فداء منه. وقال ابن عباس وعطاء: يعني: (إذا دعاهم النبي ﷺ إلى شيء، ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعةُ النبي ﷺ أولى) «١». أو: هو أولى بهم، أي: أرأف، وأعطف عليهم، وأنفع لهم، كقوله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «٢» وفى الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: «ما من مؤمن إلا وأنَا أوْلَى الناس به فى الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فأيُّمَا مُؤْمِن هَلَكَ، وتركَ مالاً فلورَثَته ما كانوا، ومَن تَرَكَ دَيْناً أو ضَيَاعاً فليَأتني، فإني أنا مَوْلاه». «٣».
وفي قراءة ابن مسعود «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم». وقال مجاهد: كل نبي أبو أمته، ولذلك صار المؤمنون إخوة لأن النبي ﷺ أبوهم في الدين، وأزواجه أمهاتهم، في تحريم نكاحهن ووجوب تعظيمهن، وهن فيما وراء ذلك- كالإرث وغيره- كالأجنبيات، ولهذا لم يتعدَّ التحريم إلى بناتهن.
وَأُولُوا الْأَرْحامِ أي: ذوو القرابات بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في المواريث. وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرةِ، لا بالقرابة، ثم نسخ، وجعل التوارث بالقرابة. وذلك فِي كِتابِ اللَّهِ أي: في حكم الله وقضائه، أو: في اللوح المحفوظ، أو: فيما فرض الله، فهم أولى بالميراث، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بحق الولاية في الدين، وَمن الْمُهاجِرِينَ بحق الهجرة. وهذا هو الناسخ. قال قتادة: كان المسلمون

(١) انظر تفسير البغوي (٦/ ٣١٨).
(٢) الآية ١٢٨ من سورة التوبة.
(٣) أخرجه البخاري فى (الاستقراض، باب الصلاة على ترك دينا، ح ٢٣٩٩)، ومسلم فى (الفرائض، باب من ترك مالا فلورثته، ٣/ ١٢٣٨، ح ١٦١٩)، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon