يعقوب، نبي الله، ابن إسحاق، ذبيح الله، ابن إبراهيم، خليل الله «١». وبما روى أن نبينا- عليه الصلاة والسلام- سُئل: أي النسب أشرف؟ فقال: «يوسف صدِّيق الله، ابن يعقوب إسرائيل الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله» «٢». وفي الجامع الصغير: «الذبيح إسحاق» رواه الدار قطنى عن ابن مسعود، والبزار وابن مردويه عن العباس، وأبي هريرة «٣».
وقال آخرون: هو إسماعيل، وبه قال عُمر، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وسعيد من المسيب، والشعبي، ويوسف ابن مهران، ومجاهد، وابن عباس أيضاً، وغيرهم. واحتجُّوا بأن البشارة بإسحاق متأخرة عن قصة الذبح. وبقوله عليه السلام: «أنا ابن الذبيحين» «٤» فأحدهما: جده إسماعيل، والآخر: أبوه، فإن عبد المطلب نذر أن يذبح ولداً إن سَهُل له حفر زمزم، أو بلغ بنوه عشراً، فلما سَهُل، أقرع بينهم، فخرج السهم على عبد الله، فَفَدَاه بمائة من الإبل، ولذلك سنت الدية مائة. وبأن ذلك كان بمكة، وكان قرنا الكبش معلَّقين بالكعبة حتى احترقا معها في أيام ابن الزبير، ولم يكن إسحاق ثمة. هـ.
وقد يُجاب بأن البشارة أولاً كانت بولادته، والثانية بنبوته، أو: بسلامته. وبأن الثانية تفسير للأولى، كأنه قال بعد ما فرغ من ذكر المبشر به: وكانت تلك البشارة بإسحاق. قاله الفاسي في حاشيته. وعن الحديث بأن العم يُطلق عليه أباً، كقوله تعالى: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ «٥» وكان عمًّا له، وتقدّم عن ابن جبير أن إبراهيم سار بابنه على البراق إلى مكة وحيث كان الذبح بها بقي القربان فيها. والله تعالى أعلم بغيبه «٦».
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٥٣١) للطبرانى، وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(٣) حديث رقم (٤٣٤٩) وعبارة السيوطي: « (قط) فى الإفراد، عن ابن مسعود، والبزار وابن مردويه، عن العباس بن عبد المطلب، وابن مردويه عن أبى هريرة، والحديث ضعّفه السيوطي.
(٤) أخرج ابن جرير (٢٣/ ٨٥) والحاكم فى المستدرك (٢/ ٥٥٤) عن الصّنابحى، قال: كنا عند معاوية بن أبى سفيان، فذكروا الذبيح، إسماعيل أو إسحاق، فقال: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله عد علىّ مما أفاءَ الله عليك يا ابن الذبيحين، فضحك عليه الصلاة والسلام، فقال له: يا أمير المؤمنين، وما الذبيحان؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم... » إلخ. والحديث ضعفه السيوطي فى الدر المنثور (٥/ ٥٢٩).
(٥) من الآية ١٣٣ من سورة البقرة.
(٦) الصواب فى هذه المسألة: أن الذبيح هو سيدنا إسماعيل عليه السّلام، وهذا هو المروي عن جمهرة الصحابة والتابعين- كسيدنا علىّ، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، والربيع بن أنس، والشعبي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة، منها:
أنّ الله تعالى لَمَّا ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح فى هذه السورة (الصافات، الآيات ١٠٠- ١١١) عطف على ذلك فقال:
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ فهذه بشارة من الله تعالى، شكرا له على صبره على ما أمر به. وهذا ظاهر جدا فى أن المبشر به غير الأول، بل هو كالنص فيه، وغير معقول أن يبشر بإسحاق بعد قصة يكون فيها هو الذبيح.