رأسَكَ بالسيفِ». فقُتِلَ عُقبةُ يَوْمَ بَدْرٍ صبراً. وأما أبىّ فقتله النبي ﷺ بيده، يوم أُحُد، في المبارزة، طعنه في عنقه، فمات بمكة «١».
وعن الضحاك: لما بَصَقَ عقبة- بأمر أبي- في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، رجع بُصَاقُهُ في وجهه، وشوى وجهه وشفتيه، حتى أثر في وجهه وأحرق خديه، فلم يزل في وجهه حتى قتل، وقتله علىّ ببدر بأمره ﷺ بقتله. هـ.
وقال الشعبي: كان عُقْبَةُ بن أبي معيط خليلاً لأُبَي بن خلف، فأسلم عقبة، فقال أُبيّ: وجهي من وجهك حرام، أنْ تابعت محمداً، فارتدَّ لرضا صاحبه، فنزلت الآية «٢». هـ.
وإمَّا جنس الظالم، ويدخل عقبة فيه دخولاً أولياً.
يَقُولُ يا لَيْتَنِي، الياء لمجرد التنبيه، من غير تعيين المنبّه، أو: المنبه محذوف، أي: يا هؤلاء لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ في الدنيا مَعَ الرَّسُولِ محمد ﷺ سَبِيلًا أي: طريقاً مُنجياً من هذه الورطات، وهو طريق الإسلام، ولم أكن ضالاً، أو: طريقاً إلى الجنة، يا وَيْلَتى، بقلب ياء المتكلم ألفاً، كما في صَحَارَى وعذارَى.
وقرئ بالياء على الأصل، أي: يا هَلَكَتِي، تَعَاليّ هذا أَوَانَكِ، لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا، فلان: كناية عن الإعلام، فإن أريد بالظالم عقبة، فالمعنى: لم أتخذ أبيّاً خليلاً، فكنى عن اسمه، وإن أريد به الجنس، فهو كناية عن علم كل من يضله، كائناً من كان، من شياطين الإنس والجن. وقيل: هو كناية عن الشيطان.
ثم قال: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ عن ذكر الله، أو: القرآن، أو: الإيمان، أو: موعظة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو:
كلمة الشهادة. وتصديره بلام القسم للمبالغة في بيان خطأه، وإظهار ندمه وحسرته، أي: والله لقد أضلني عن الذكر بَعْدَ إِذْ جاءَنِي من الله، وتمكنت منه. وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا أي: مبالغاً في الخذلان، حيث يواليه من يؤديه إلى الهلاك، ثم يتركه ولا ينفعه، وهو الحامل له على مخاللة المضل ومخالفة الرسول.
وقيل: المراد به خليله أُبيّ، وسماه شيطاناً لأنه أضله كما يضله الشيطان. والله تعالى أعلم.
الإشارة: في الآية تحريض على محبة الرسول ﷺ وشد اليد على التمسك بسنته، والاهتداء بهديه، واتباع ما جاء به، قبل أن تقول: يا ليتني أتخذت مع الرسول سبيلاً. وفيها أيضاً: الترغيب في صحبة الأبرار، والترهيب من صحبة الفجار، وأنشد بعض الحكماء:
تَجَنَّبْ قَرِينَ السوء وَاصْرمْ حِبَالَهُ | فَإِن لَّمْ تَجِدْ عَنْهُ مَحيصاً فَدَارِهِ |
وَأَحْبِبْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاْحذَرْ مِرَاءَهُ | تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لمْ تُمارهِ |
وَفِي الشَّيْبِ مَا يَنهى الحَلِيمَ عَن الصِّبَا | إِذا اشْتَعَلَتْ نِيَرانُه فِي عَذَارِهِ. |
(٢) ذكر قول الضحاك والشعبي: البغوي فى تفسيره (٦/ ٨١) والواحدي فى أسباب النزول (ص/ ٣٤٤).