حدّ الفرية على الأنبياء- يعني الحدّ مرتين- ورُويَ: أن رجلاً حدّث بها عند عمرُ بنُ عبد العزيز، وعنده رجلٌ من أهل الحق، فكذَّب المحدِّث، وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله، فما ينبغي أن يُلتمَس خلافُها، ولا أن يُقال غير ذلك، وإن كانت على ما ذكرتَ، وقد سترها الله على نبيه، فما ينبغي إظهارَها عليه، فقال عمر: لَسَماعي لهذا الكلام أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس «١».
والذي يدلُّ عليه المثل الذي ضربه الله لقصته عليه السلام ليس إلا أنه طلب من زوج المرأة أن ينزل عنها فحسب، فتزوجها، وإنما جاءت على طريق التمثيل والتعريض، دون التصريح لكونها أبلغ في التوبيخ، من قِبَل أنّ المتأمل إذا أدّاه إلى الشعور بالمعرِّض به كان أوقع في نفسه، وأَشَدّ تمكُّناً من قلبه، وأعظم أثراً فيه، مع مراعاة حسن الأدب، بترك المجاهرة بالعتاب. قاله النّسفى.
ثم ذكر التعريض بقوله: إِنَّ هذا أَخِي في الدين، أو: في الصداقة، أو: الشركة. والتعبير به لبيان كمال قُبح ما فعل به صاحبه، لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً النعجة: الأنثى من الضأن، وقد يُكنى بها عن المرأة، والكناية والتعريض أبلغ من التصريح «٢». وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ لا أملك غيرها، فَقالَ أَكْفِلْنِيها أي:
ملِّكنيها، واجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي، وَعَزَّنِي غلبني فِي الْخِطابِ في الخصومة، أي: كان أقدر مني على الاحتجاج والمجادلة، أو: غلبني في الخِطبة، حيث خطبتُ وخطبَ، فأخذها، وهذا منهما تعريض وتمثيل، كأنهما قالا: نحن كخصمين هذه حالهما، فمثّلت قصة أورِيا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة، وخليطه له تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمة المائة، فطمع في نعجة خليطه، وحاجّه في أخذها، محاججة حريص على بلوغ مراده. وإنما كان ذلك على وجه التحاكم إليه، ليحكم بما حكم به من قوله:
قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ، حتى يكون محجوجا بحكمه. وهو جوابُ عن قسم محذوف، قصد به عليه السلام المبالغة في إنكار فعل صاحبه به، وتهجين طمعه في نعجة مَن ليس له غيرها، مع أنَّ له قطيعاً منها. ولعله عليه السلام قال ذلك بعد اعتراف صاحبه بما ادّعاه عليه، أو: بناه على تقدير صدق المدعي، أي:
إن كنت صدقت فقد ظلمك، والسؤال: مصدر مضاف إلى المفعول، وتعديته إلى مفعول آخر لتضمينه معنى الضم.
(٢) الظاهر: إبقاء لفظ النّعجة على الحقيقة، من كونها أنثى الضأن، ولا يُكنى بها عن المرأة، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك. انظر البحر المحيط (٧/ ٣٧٦).