ثم حكى مقالة أخرى للكفار من مقالاتهم الباطلة، فقال:
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١١ الى ١٢]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢)
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أي: لأجلهم، وهو كلام كفار مكة، قالوا: إنَّ عامة مَن يتبع محمد السُّقاط، يعنون الفقراء، كعمار وصهيب وبلال وابن مسعود- رضي الله عنهم- قالوا: لَوْ كانَ ما جاء به محمد من القرآن والدين خَيْراً مَّا سَبَقُونا إِلَيْهِ، فإن معالي الأمور لا تنالها أيدي الأراذل، فإنَّ عامتهم فقراء وموالٍ ورُعاة، قالوه زعماً منهم أن الرئاسة الدينية مما تُنال بأسباب دنيوية، كما قالوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «١»، وضلّ عنهم أنها منوطة بكمالات نفسانية، وملكات روحانية، مبناها: الإعراض عن زخارف الدنيا، والإقبال على الله بالكلية، وأنّ مَن فاز بها حازها بحذافيرها، ومَن حرمها فما له عند الله من خلاق. والحاصل: أن هذه المقالة سببها الرضا عن النّفس، وهو أصل كل معصيةٍ وغفلةٍ. ثم قال تعالى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ، العامل في الظرف محذوف لدلالة الكلام عليه، أي: وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم، وقالوا ما قالوا. فَسَيَقُولُونَ غير مكتفين بنفي خيريته: هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ أي: كذب متقادم، كقوله: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «٢».
وقال القشيري: إنه تكذيب للرسل فيما بُيّن لهم، فيما أُنزل عليهم من بعثة محمد رسولاً، يعني: فيكون كقوله تعالى: إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ «٣». وقيل لابن عباس: أين نجد في القرآن «مَن كره شيئاً عاداه»، فقرأ هذه الآية: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا.. الخ.
وَمِنْ قَبْلِهِ أي: من قبل القرآن كِتابُ مُوسى أي: التوراة، فكتاب: مبتدأ، و «من قبله» : خبر، والاستقرار هو العامل في قوله: إِماماً وَرَحْمَةً على أنهما حالان من الكتاب، أي: قدوة يُؤْتمُ به في دين الله
(٢) من الآية ٢٥ من سورة الأنعام.
(٣) من الآية ٤٨ من سورة القصص، وكذا من الآية ٣٠ من سورة الزخرف.