معصية إلا تضرب الملائكة وجهَهُ ودُبره» «١». ذلِكَ التوفِّي الهائل بِأَنَّهُمُ، بسبب أنهم اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ من الكفر والمعاصي ومعاونة الكفرة، وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ من الطاعة والإيمان ونصر المؤمنين، فَأَحْبَطَ لأجل ذلك أَعْمالَهُمْ التي عمِلوها حال الإيمان وبعد الارتداد، من أعمال البر.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، هم المنافقون الذين فصلت أحوالهم الشنيعة، أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ أحقادهم، ف «أَمْ» منقطعة، وأ «ن» مخففة، واسمها: ضمير الشأن، أي: أظن المنافقون الذين في قلوبهم حِقد وعداوة أنه لن يُخرج اللهُ حقادهم، ولن يُبرزَها لرسول الله ﷺ والمؤمنين، فيبقي أمورَهم مستورة؟ بل لا يكاد يدخل ذلك تحت الاحتمال.
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ ودللناك عليهم بأمارات، حتى تعرفهم بأعينهم، معرفةً مزاحِمةً للرؤية. والالتفات لنون العظمة لإبراز العناية بالإرادة، وفي مسند أحمد، عن ابن مسعود: خطبنا رسول الله ﷺ فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «إن منكم منافقين، فمَن سميتُ فليقم، ثم قال: قم يا فلان، حتى سمّى ستة وثلاثين» «٢» انظر الطيبي. فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ بعلامتهم التي نَسِمُهم بها، وعن ابن عباس رضي الله عنه: ما خَفي عن رسول الله ﷺ بعد هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم، ولقد كنا في بعض الغزوات وفيها تسعة من المنافقين، يشْكُرهم الناس «٣» فناموا، فأصبح على وجه كل واحد منهم مكتوب: هذا منافق» «٤» قال ابن زيد: قصد الله إظهارَهم، وأمرَهم أن يخرجوا من المسجد، فأبوا إلا أن يتمسّكوا بلا إله إلا الله، فحقنت دمائهم، ونَكحوا ونُكح منهم بها.
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ أي: والله لتعرفنهم فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أي: مجراه وأسلوبه وإمالته عن الاعتدال لما فيه من التذويق والتشديق، وقد كانت ألسنتهم حادة، وقلوبهم خاربة، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ...
الآية «٥»، مَن في قلبه شيءٌ لا بد أن يظهر على لسانه، كما قيل: «ما كمَن فيك ظَهَرَ على فِيك». وهذه الجُمل كلها داخِلة تحت «لَوْ» معلقةً بالمشيئة، واللحن يُطلق على وجهين: صواب وخطأ، فالفعل من الصواب: لحن يلحن لحنا،

(١) ذكره القرطبي (٧/ ٦٢٥٧) بنحوه.
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٥/ ٢٧٣) والطبراني فى الكبير (١٧/ ٢٤٦ ح ٦٨٧).
(٣) فى القرطبي: يشك فيهم النّاس.
(٤) على هامش النّسخة الأم مايلى: «هذا غريب جدا، بل باطل عن ابن عباس». قلت: والخبر ذكره القرطبي فى التفسير (٧/ ٦٢٥٩) عن أنس.
(٥) الآية ٤٠٢ من سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon