فقرّبهم «١» كلهم، وأخذ عليهم الميثاق على الإقرار بالعبودية، وأشهدهم على أنفسهم، وشهد عليهم بذلك، ثم ردّهم إلى الأصلاب ليخرجهم تناسلاً إلى الأرحام «٢». هـ.
وقال الجنيد رضي الله عنه في قوله: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها: مَن أدركه عناية السبق في الأزل جرى عليه عنوان المواصلة، وهو أحق بها، لِما سبق إليه من كرامة الأزل. هـ. والحاصل: أنهم أحق بها بالسبق بالاصطفائية، وبقيت نعوتها وأنوارها في قلوبهم، دون الذين حجبهم الله عن رؤية نورها. قاله في الحاشية.
ثم بشّرهم بفتح مكة، وصدق الرّؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٧]
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧)
يقول الحق جلّ جلاله: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا أي: صدَقه في رؤياه ولم يكذبه- تعالى الله عن الكذب- فحذف الجارَ وأوصل الفعل كقوله: صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ «٣» يقال: صدقه الحديث: إذا حققه وبيّنه له، أو: أخبره بصدق، رُوي أنه صلّى الله عليه وسلم رأى في النوم، قبل خروجه إلى الحديبية، كأنّه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين، وقد حلقوا وقصّروا، فقصّ الرؤيا على أصحابه، ففرحوا، وحسِبوا أنهم داخلوها، وقالوا: إن رؤيا رسول الله حق. والله تعالى قد أبهم الأمر عليهم لينفرد بالعلم الحقيقي، فلما صُدوا، قال عبد الله بن أُبيّ وغيرُه من المنافقين: والله ما حلقنا ولا قصّرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت «٤» : لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ فيما أراه، وما كذب عليه، ولكن في الوقت الذي يريد.
وقوله: بِالْحَقِّ، إما صفة لمصدر محذوف، أي: صدقاً ملتبساً بالحق، أي: بالغرض الصحيح، والحكمة البالغة التي تُميز بين الراسخ في الإيمان والمتزلزل فيه، أو: حال من الرؤيا، أي: ملتبسة بالحق ليست من قبيل

(١) فى نوادر الأصول: [فقررهم].
(٢) النقل بتصرف.
(٣) من الآية ٢٣ من سورة الأحزاب.
(٤) أخرجه البيهقي فى دلائل النّبوة (باب نزول الفتح مرجع الحديبية ٤/ ٣٦٤) وابن جرير فى التفسير (٢٦/ ١٠٧) عن مجاهد، مرسلا. [.....]


الصفحة التالية
Icon