زعمه- زاد بُعداً من ربه، وهو لا يشعر، فالنفس إن لم تتصل بمَن يرفع عنها الحجاب، كانت كدود القزِّ، تنسج الحجاب على نفسها بنفسها، حتى تموت في وسطه. وفي ذلك يقول الششتري فى نونيته رضي الله عنه:

ونحن كَدُودِ القزِّ يحصرُنا الذي صنعنا لدفع الحصر سجناً لنا مِنَّا «١»
وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل توحيده تعالى، فقال:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥ الى ٦]
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)
يقول الحق جلّ جلاله: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي: وما بينهما من الموجودات، ملتبسة بِالْحَقِّ مشتملة على الحكم والمصالح الدينية والدنيوية يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ، التكوير: اللّف والليّ، يقال: كار العمامة على رأسه وكوّرها. والمعنى: أن كل واحد منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه، ويلفه لف اللباس باللابس، أو: يغيّبه كما يغيب الملفوف باللفافة، أو: يجعله كاراً عليه كرُوراً متتابعاً، تتابع أكوار العمامة، وهذا بيان لكيفية تصرفه تعالى في السموات والأرض بعد بيان خلقهما، وعبّر بالمضارع للدلالة على التجرُّد.
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ: جعلهما منقادين لأمره. كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، وهو يوم القيامة، أو:
كل منهما يجري لمنتهى دورته، أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على كل شيء، ومن جملتها: عقاب العصاة، الْغَفَّارُ: المبالغ في المغفرة، ولذلك لا يُعاجل بالعقوبة، ولا يمنع ما في هذه الصنائع البديعة من آثار رحمته.
وتصدير الجملة بحرف التنبيه، لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها.
(١) انظر ديوان الششترى (ص ٧٤)


الصفحة التالية
Icon