وكل صفة كصفة أخرى، من حيث التنزيه والقدس والتقديس، والكلام بنفسه متشابه المعاني. هـ. يعني: إنما كان القرآن متشابهاً لأنه أخبر عن كلية الذات والصفات القديمين، والذات لها شبه بالصفات من حيث اللطافة، والصفات تشبه بعضها بعضاً في الدلالة على التنزيه والكمال، أي: كتاباً دالاًّ على كلية الذات المشابهة للصفات.
وهذا حملٌ بعيد.
ثم ذكر مثال المهتدى والضال، فقال:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)
قلت: وَقِيلَ: عطف على «يتقي»، أو: حال من ضمير «يتقي»، بإضمار «قد».
يقول الحق جلّ جلاله: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ الذي هو أشرف أعضائه سُوءَ الْعَذابِ أي: العذاب السيّء الشديد يَوْمَ الْقِيامَةِ كمَن ليس كذلك، بل هو آمن، لا يعتريه مكروه، ولا يحتاج إلى اتقاء، بوجه من الوجوه، وإنما كان يتقي النارَ بوجهه لكون يده التي كان يتقي بها المكاره والمخاوف مغلولة إلى عنقه. قال القشيري: قيل: إن الكافر يُلقى في النار، فيلقاها أولاً بوجهه لأنه يُرمَى فيها منكوساً «١» فأما المؤمن المُوقَّى ذلك فهو المُلقَّى بالكرامة، فوجهُهُ ضاحكٌ مُسْتَبْشرٌ «٢». هـ.
وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ: يقال لهم من جهة خزنة النار. وصيغة الماضي للدلالة على التحقُّق. ووضع المظهر في مقام المضمر للتسجيل عليهم بالظلم، والإشعار بعلة الأمر في قوله: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ أي: وبال ما كنتم تكسبونه في الدنيا، من الظلم بالكفر والمعاصي.

(١) أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «ينطلق به إلى النّار مكتوفا ثم يرمى فيها، فأول ما تمس وجهه النّار».
(٢) النقل فيه تصرف: انظر لطائف الإشارات.


الصفحة التالية
Icon