للتشديد في ذلك، و (من) : مبتدأ و (هذا) : خبره، و (الذي) وما بعده: صفتهن وإيثار " هذا " تحقيراً له، و (ينصركم) : صفة لجُند، باعتبار لفظه، و (من دون) : إما حال من فاعل " ينصركم " أو لمصدر محذوف، أي: نصراً حاصلاً من دون الرحمن، أو: متعلق بينصركم، كقوله: ﴿مَن يَنصُرُنِى مِنَ اللهِ﴾ [هود: ٣٠]، والمعنى: بل مَن هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم ينصركم نصراً كائناً من دون نصرة الرحمن؟ ! ﴿إِنِ الكافرون إلاّ في غرورٍ﴾ أي: ما هم في زعمهم أنهم محفوظون من النوائب بحفظ آلهتهم، لا بحفظه تعالى فقط، إلاّ في غرور عظيم، وضلال فاحش من الشيطان. والالتفات إلى الغيبة؛ للإيذان بافتضاح حالهم، والإعراض عنهم، وإظهار قبائحهم، والإظهار في موضع الإضمار لذمهم بالكفر، وتعليل غرورهم به.
﴿
أمّنْ هذا الذي يرزقكم إِنْ أمسك﴾
اللهُ عزّ وجل ﴿رزقَه﴾ بإمساك المطر وسائر مبادئه، أي: مَن هذا الحقير الذي يقدر على إتيان رزقكم من آلهتكم إن أمسكه الله؟ ﴿بل لَجُّوا في عَتُوٍّ ونفورٍ﴾، إضراب عن مُقدّر يستدعيه المقام، كأنه قيل بعد تمام التبكيت والتعجيز: لم يتأثروا بشيء من ذلك، ولم يذعنوا للحق، ﴿بل لجُّوا﴾ أي: تمادوا ﴿في عتوٍّ﴾ أي: استكبار وطغيان ﴿ونفورٍ﴾ ؛ وشُرود عن الحق لِثقله عليهم. ثم ضرب مثلاً للمشرِك والموحِّد، فقال: ﴿أفمن يمشي مُكبًّا على وجهه﴾ أي: ساقطاً على وجهه ﴿أهْدى﴾، والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سواء حالهم، وسقوطهم في مهاوي الغرور، وركوبهم متن عشواء العتو والنفور. والمُكب: الساقط على وجهه، والمعنى: أفمن يمشي وهو يعثر في كل ساعة، ويخرّ على وجهه في كل خطوة أهدى إلى المقصود ﴿أَمَّنْ يمشي سَوِياً﴾ أي: قائماً سالماً من الخبط والعِثار ﴿على صراط مستقيم﴾ مستوي الأجزاء لا عوج فيه، ولا انحراف؟ و " من " الثانية: معطوفة على الأُلى عطف المفرد. وقيل: المراد بالمكب: الأعمى، وبالسوي: البصير. وقيل: مَن يمشي مُكباً هو الذي يُحشر على وجهه إلى النار، ومَن يمشي سويًّا: الذي يُحشر على قدميه إلى الجنة.
﴿قل هو الذي أنشأكم﴾ إنشاءً بديعاً، ﴿وجعل لكم السمعَ﴾ لتسمعوا آيات الله، وتمتثلوا ما فيها من الأوامر والنواهي، وتتعظوا بمواعظها، ﴿والأبصارَ﴾ لتنظروا بها إلى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله تعالى، ﴿والأفئدةَ﴾ لتتفكروا بها فيما تسمعونه وتشاهدونه من الآيات التنزيلية والتكوينية؛ لتترقوا في معاريج الإيمان والمعرفة، ﴿قليلاً ما تشكرون﴾ باستعمالها فيما خُلقت له. و " قليلاً ": إما نعت لمحذوف، أو: ظرف، و (ما) : صلة لمحذوف، أي: شكراً قليلاً، أو: زمناً قليلاً. وقيل: القلة عبارة عن العدم. ﴿قل هو الذي ذرأكم في الأرض﴾ أي: خلقكم وكثَّركم فيها ﴿وإِليه تُحشرون﴾ للجزاء لا إلى غيره، فتهيؤوا للقائه.
الإشارة: أَوَلَم يَرَوا إلى طيور أفكار العارفين فوقهم منزلةً ورفعة، صافاتٍ، تجول


الصفحة التالية
Icon