وأمرهم، أو: مَن هو المجنون منكم. قال ابن عباس رضي الله عنه: فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتبيّن الحق من الباطل. هـ. وقيل: في الدنيا بظهور عاقبة أمرك بظهور الإسلام، واستيلائك عليهم بالقتل والنهب، ويبصرونك مُهاباً معظّماً في قلوب العالمين، وكونهم أذلةً صاغرين. قال مقاتل: هذا وعيد بعذاب يوم بدر.
والباء في قوله: ﴿بأيِّكم المفتونُ﴾ قيل: زائدة، أي: تُبصرون أيكم المفتون، أي: المجنون، وقيل: غير زائدة، أي: بأيكم الفتنة، فالمفتون مصدر، كقولهم: ما لك معقول، أي: عقل، وقيل: الباء بمعنى " في "، أي: في أي فريق منكم المفتون، هل في فريق المؤمنين أم المشركين؟ والآية تعريض بأبي جهل، والوليد بن المغيرة، وأضرابهما، وتهديد، كقوله تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ (٢٦) ﴾ [القمر: ٢٦].
﴿إِنَّ ربك هو أعلمُ بمَن ضلَّ عن سبيله﴾ تعليل لمضمون ما قبله، من ظهور جنونهم، بحيث لا يخفى على أحد، وتأكيد لِما فيه من الوعد والوعيد، أي: هو أعلم بمَن ضل عن طريقه الموصلة إلى سعادة الدارين، وبمن هو في تيه الضلال، متوجهاً إلى ما يسوقه إلى الشقاوة الأبدية، وهذا هو المجنون الذي لا يُفرّق بين الضرر والنفع، بل يحسب الضررَ نفعاً فيؤثره، والنفعَ ضرراً فيهجره، ﴿وهو أعلمُ بالمهتدين﴾ إلى سبيله، الفائزين بكل مطلوب، الناجين من كل مرهوب، وهم العقلاء المراجيح، فيجزي كُلاًّ من الفريقين حسبما يستحقه من العقاب والثواب. وإعادة ﴿هو أعلم﴾ لزيادة التقرير.
وإذا تقرّر أنك على الهدى، ومُكَذَبوك على الضلال ﴿فلا تُطع المكذِّبين﴾، فالفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: دُم على ما أنت عليه، من عدم طاعتهم، وتَصَلّبْ في ذلك. وهذا تهييج للتصميم على عصيانهم، وقد أرادوه على أن يعبدوا الله مدة، ويعبد آلهتهم مدة، ويكفُّوا عنه غوائلهم، فنهاه عن ذلك، أو: نُهي عن مداهنتهم ومداراتهم، بإظهار خلاف ما في ضميره صلى الله عليه وسلم؛ استجلاباً لقلوبهم. ﴿وَدُّوا لو تُدْهِنُ﴾ ؛ لو تلين لهم ﴿فيُدْهِنُون﴾ ؛ فيلينون لك، ولم ينصب بإضمار " أن " مع أنه جواب التمني؛ لأنه عدل به إلى طريق آخر، وهو أن جعله خبر مبتدأ محذوف، أي: فهم مدهنون، أي: فهم الآن يُدهنون لطمعهم في إدهانك، فليس داخلاً في حيّز تمنيهم؛ بل هو حاصل لهم، وفي بعض المصاحف: ﴿فيدهنوا﴾ على أنه جواب التمني.
﴿
ولا تُطعْ كلَّ حلاّفٍ﴾
؛ كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به زجراً لمَن يُكثر الحلف، ﴿مَهِينٍ﴾ ؛ حقير في الرأي والتدبير، من المهانة، وهي القلة والحقارة، أو: كذَّاب؛ لأنه صغير عند الناس، ﴿هَمَّازٍ﴾ ؛ عيّابٍ طعَّان مغتاب ﴿مشَّاء بنميم﴾ ؛ نقّال للحديث من قوم إلى قوم، على وجه السِّعاية والفساد بينهم، فالنميم والنميمة: السعاية في إفساد ذات البيْن، ﴿مناعٍ للخير﴾ ؛ بخيل، والخير: المال، أو: منّاع أهلَه من الخير، وهو الإسلام، والمراد: الوليد بن المغيرة، عند الجمهور، وكان يقول لبنيه العشرة: مَن أسلم منكم منعته رفدي. هـ ﴿مُعْتَدٍ﴾ ؛ مجاوز في الظلم حدّه، ﴿أثيمٍ﴾ ؛ كثير الإثم، ﴿عُتُلٍّ﴾ ؛ غليظ جافٍ، مِن عتله: إذا قاده بعنف وغلظةٍ، ﴿بعد ذلك﴾ ؛ بعدما عدّ له من المثالب


الصفحة التالية
Icon