بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار. قال أبو السعود: والجملة استئناف مسوق لإعلام بعض أحوال الحاقة له ﷺ إثر تقرير أنه ما أدراه بها أحد كما في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أّدْرَاكَ مَاهِيَة نَارٌ حَامِيَةُ﴾ [القارعة: ١٠، ١١] ونظائره، خلا أن المبَّين هناك نفس المسؤول عنها، وها هنا حال من أحوالها، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيّلَةٌ الْقَدْرِ لَيّلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: ٢، ٣]، كما أن المبيَّن هناك ليس نفس ليلة القدر، بل فضلها وشرفها، كذلك المبيّن هاهنا هولُ الحاقة وعظم شأنها، وكونها بحيث يحق إهلاك مَن يُكَذِّب بها، كأنه قيل: وما أدراك ما الحاقة كذّب بها عاد وثمود فأُهلكوا. هـ.
﴿
فأمّا ثمودُ فأُهلكوا بالطَّاغية﴾
؛ بالوقعة المتجاوزة للحدّ في الشدة، وهي الصيحة أو الرجفة، وقيل: هي مصدر كالعاقبة، من المعاقبة، أي: بسبب طغيانهم وعصيانهم، والأول أنسب بقوله: ﴿وأمّا عادٌ فأُهلكوا بريحٍ صَرْصَرٍ﴾ أي: شديدة الصوت، لها صرصرة، أو شديدة البرد، تحرق ببردها، من الصِّر، كرّر بردها حتى أحرقهم، ﴿عَاتيةٍ﴾ ؛ شديدة الغضب، كأنها عتت على خُزّانها فلم يضبطوها بإذن الله، غضباً على أعداء الله. قال صلى الله عليه وسلم: " ما أرسل الله نسفة من ريح إلاّ بمكيال، ولا قطرة من ماء إلاّ بمكيال، إلاّ يوم عاد ويوم نوح، فإنَّ الماء طغى على الخُزان، وكذلك الريح، طغت على خُزانها " ثم قرأ الآية. أو طغت على عاد فلم يقدروا على ردها. ﴿سَخَّرَها عليهم﴾ أي: سلَّطها عليهم، وهو استئناف جيء به لبيان كيفية إهلاكهم بها، ﴿سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسوماً﴾ أي: متتابعات، جمع حاسم، كشهود وشاهد، تمثيلاً لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكيّ كرة بعد أخرى حتى ينحسم الداء، أو: محسمات، حسمت كل خير واستأصلته، أو قاطعات قطعت دابرهم، وهو حال، ويجوز أن يكون مصدراً، أي: تحسمه حسوماً، أي: تستأصلهم استئصالاْ، ويؤيده قراءة الفتح، وكانت العرب تُسمي هذه الأيام أيام العجوز، من صبيحة الأربعاء إلى غروب الأربعاء الآخر، وإنما سميت بذلك؛ لأنّ عجوزاً من عاد توارت في سِرب، فانتزعَتها الريحُ في اليوم الثامن، فأهلكتها. وقيل: سميت عجوزاً لأنها في عَجُز الشتاء، أي: آخره. وأسماؤها: الصِنُّ، والصنْبَرِ، والوَبْر، والآمر، والمُؤْتمر والمُعلِّل، ومُطْفىء الجمْر، واليوم الثامن مكفي الظُّعن.
﴿فترى القومَ﴾ إن كنت حاضراً حينئذ ﴿فيها﴾ أي: في تلك الليالي والأيام، أو في مهابَّها، أو في ديارهم ﴿صَرْعَى﴾ ؛ موتى هلكى، جمع صريع، ﴿كأنهم أعجازُ نخلٍ﴾ أي: أصول نخل، جمع نخلة، ﴿خاويةٍ﴾. ساقطة، أو بالية متآكلة الأجواف، وكانت أجسامهم طوالاً، تبلغ مائة ذراعٍ، أو مائتين، ولذلك شُبّهوا بالنخل، ﴿فهل ترى لهم من باقية﴾ أي: بقاء، فيكون مصدراً، كالطاغية، أو مِن نفس باقية. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon