موتكم، فتموتون عند انقضاء آجالكم الذي تعرفونه من غير غرق ولا هلاك استئصال، فإن لم تؤمنوا عاجَلَكم بالعذاب، فيكون هو آجالكم، ولمّا كان ربما يتوهم أنَّ الأجل قد يتقدّم، رَفَعَه بقوله: ﴿إنَّ أَجَلَ اللهِ﴾ وهو الموت عند تمام الأجل ﴿إِذا جاء لا يُؤخَّرُ لو كنتم تعلمون﴾ أي: لو كنتم تعلمون لسارعتم إلى الإيمان قبل مجيئه، فلا حُجة فيه للمعتزلة. وانظر ابن جزي.
الإشارة: قال القشيري: إنَّا أرسلنا الروح إلى قومه، وهم: النفس والهوى وصفاتهم الظلمانية الطبيعية؛ أن أنذرهم عن المخالفة الشرعية، مِن قبل أن يأتيهم عذاب القطيعة، قال: يا قوم إني لكم نذير بيِّن الإنذار، أن اعبُدوا الله، بأن تُحبوه وحده، ولا تُحبُّوا معه غيره، من الدنيا، وشهواتها وزخارفها، واتقوا بأن لا تروا معه سواه، وأطيعوني في أقوالي وأفعالي وأخلاقي وصفاتي، يغفر لكم ذنوب وجودكم، فيُغطيه بنور وجوده، ويُؤخركم إلى أجلٍ مسمى، بتسْمية الأزل، إنَّ أجل الله بالموت الحسي والمعنوي، لا يُؤخَّر، لو كنتم تعلمون، لكن انهماككم في حب الدنيا بعّد عنكم الأجل. هـ. بالمعنى.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿قال﴾ نوح شاكياً إلى الله تعالى: ﴿رَبِّ إِني دعوتُ قومي﴾ إلى الإيمان والطاعة ﴿ليلاً ونهاراً﴾ دائماً بلا فتور ولا توان، ﴿فلم يَزِدْهُم دعائي إِلاَّ فِراراً﴾ مما دعوتهم إليه، ونسب ذلك إلى دعائه لحصوله عنده، وإن لم يكن في الحقيقة سبباً للفرار، وهو كقوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا﴾ [التوبة: ١٢٥]، والقرآن لا يكون سبباً لزيادة الرجس، لكن لمّا حصل عنده نُسب إليه، وكان الرجل منهم يذهب بابنه إلى نوح عليه السلام ويقول له: احذر هذا، فلا يعرنّك، فإنّ أبي قد أوصاني بهذا. هـ.
﴿وإِني كلما دعوتُهم﴾ إلى الإيمان بك ﴿لتغفرَ لهم﴾ أي: ليؤمنوا فتغفر لهم، فاكتفى بذكر المسبَّب، ﴿جعلوا أصابعَهم فِي آذَانِهِم﴾ أي: سدُّوا مسامعهم لئلا يسمعوا كلامي، ﴿واستَغْشوا ثيابَهُم﴾ أي: وتغطُّوا بثيابهم لئلا يُبصروني، كراهة النظر إلى وجه مَن