القديم وحده، كما كان وحده. فالنفوس أربعة: أمّارة، ولوّامة، ولهّامة، ومطمئنة، وهي في الحقيقة نفس واحدة، تتطور وتتقلب من حالٍ إلى حال، باعتبار التخلية والتحلية، والترقية والتردية، فأصلها الروح، فلما تظلّمت سميت نفساً أمّارة، ثم لوّامة، ثم لهّامة، ثم مطمئنة.
قال القشيري: أيحسب الإنسان، أي: الإنسان المحجوب بنفسه وهواه، ألَّن نجمع عِظامه؛ أعماله الحسنة والسيئة، بلى قادرين على أن نُسَوِّي بنانه، أي: صغار أفعاله الحسنة والسيئة، بل يُريد الإنسان المحجوب لِيَفْجُرَ أمامه، بحسب الاعتقاد والنية، قبل الإتيان بالفعل، أي: يعزم على المعاصي في المستقبل قبل أن يفعل، يسأل أيَّان يوم القيامة؟ لطول أمله، ونسيان آخرته، ولو فُتحت بصيرتُه لَشَاهد القيامة في كل ساعة ولحظة، بتعاقب تجلي الإفناء والإبقاء. فإذا بَرِقَ البصرُ: تحيّر من سطوات أشعة سبحات التجلِّي الأحدي الجمعي، وخسَف القمر، أي: ستر نور قمر القلب بنور شمس الروح، وجُمع الشمس والقمر، أي: جُمع شمس الروح وقمر القلب، بالتجلِّي الأحدي الجمعي، يعني: فيغيب نور قمر الإيمان في شعاع شمس العرفان، يقول الإنسان يومئذ: أين المفر؟ من خوف الاضمحلال والاستهلاك، وليس عنده حينئذ قوة التمكين فيخاف من الاصطلام، إلى ربك يومئذ المستقر بالرسوخ والتمكين، بعد الفرار إلى الله، قال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾ [الذاريات: ٥٠]. هـ. بالمعنى.
يُنبأ الإنسانُ يومئذٍ بما قَدَّم من المجاهدة، حيث يرى ثمرتها، وما أَخَّرَ، حيث يرى شؤم تفريطه فيها، فالمشاهدة على قدر المجاهدة، فبقدر ما يُقَدِّم منها تعظم مشاهدته، وبقدر ما يُؤخِّر منها تَقِلّ. بل الإنسان على نفسه بصيرة، يرى ما ينقص من قلبه وما يزيد فيه، ويشعر بضعفه وقوته، إن صحّت بصيرته، وطهرت سريرته، فإذا فرط في حال سيره لا يقبل عذره، ولو ألقى معاذيره. وبالله التوفيق.
قلت: اختلف المفسرون في وجه المناسبة في هذه الآية، فقال بعضهم: ما تضمنه من الاقتدار على حفظه وإبقائه في قلبه، بإخراجه عن كسبه وإمساكه وحفظه، فالقادر على