من شجر بجبال بحر الهند والصين، يُظل خلقاً كثيراً، وتألفه النمور، وخشبه أبيض هش، ويوجد في أجوافه الكافور، وهو أنواع، ولونها أحمر، وإنما يبيّض بالتصعيد، والتصعيد: الإذابة. هـ. وقوله تعالى: ﴿عيناً﴾ : بدل من " كافور "، وعن قتادة: تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك، وقيل: يخلق فيها رائحة الكافور وبياضه ويرده، فكأنها مزجت بالكافور، وهذا أنسب بأحوال الجنة، فـ " عيناً " على هذين القولين: بدل من محل (من كأس) على حذف مضاف، أي: يشربون خمر عين، أو: نصب على الاختصاص، وقوله تعالى: ﴿يشرب بها عبادُ الله﴾ : صفة لعين، أي: يشربون منها، أو: الباء زائدة، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة: " يشربها "، أو: هو محمول على المعنى، أي: يتلذذون بها، أو يروون بها، وإنما عبّر أولاً بحرف " من " وثانياً بحرف الباء؛ لأنَّ الكأس مبتداً شرابهم وأول غايته، وأمّا العين فيها يمزجون شرابهم. قاله النسفي. وقيل: الضمير للكأس، أي: يشربون العين بتلك الكأس، ﴿يُفجِّرُونها تفجيراً﴾ أي: يُجْرُونَها حيث شاؤوا من منازلهم إجراءاً سهلاً، لا يمتنع عليهم، بل يجري جرياً بقوة واندفاع.
﴿
يُوفُون بالنَّدْرٍ﴾ بما أَوجبوا على أنفسهم من الطاعات، وهو استئناف مسوق لبيان ما لأجله رُزقوا ما ذكر من النعيم، كأنه قيل: ماذا كانوا يفعلون حتى نالوا تلك الرتبة العالية؟ فقال: يُوفون بما أوجبوا على أنفسهم، فكيف بما أوجبه اللهُ عليهم؟ ﴿ويخافون يوماً كان شَرُّه﴾ ؛ شدائده أو عذابه ﴿مُسْتَطِيراً﴾ ؛ منتشراً فاشياً في أقطار الأرض غاية الانتشار، من: استطار الفجر: انتشر. ﴿ويُطعِمون الطعامَ على حُبه﴾ أي: كائنين على حب الطعام والحاجة إليه، كقوله تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] أو: على حب الإطعام، بأن يكون ذلك بطيب النفس، أو: على حب الله، وهو الأنسب بقوله: ﴿لوجه الله﴾، ﴿مسكيناً﴾ ؛ فقيراً عاجزاً عن الاكتساب، أسكنه الفقرُ في بيته، ﴿ويتيماً﴾ ؛ صغيراً لا أب له، ﴿وأسيراً﴾ أي: مأسوراً كافراً. كان عليه السلام يؤتى بالأسير، فيدفعه إلى بعض المسلمين، فيقول له: " أحسِن إليه " أو: أسيراً مؤمناً، فيدخل فيه المملوك والمسجون، وقد سمى رسولُ الله ﷺ الغريم أسيراً فقال: " غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك ". ثم علّلوا إطعامهم فقالوا: ﴿إِنما نُطعمكم لوجه الله﴾ أي: لطلب ثوابه، أو: هو بيان من الله تعالى عما في ضمائرهم من الإخلاص، لأنَّ الله تعالى عَلِمه منهم، فأثنى عليهم وإن لم يقولوا شيئاً، وفيه نظر؛ إذ لو كان كذلك لقال: " يطعمهم " بضمير الغيب، فالجملة على الأول محكية بقول محذوف، حال من فاعل " يُطعمون " أي: قائلين بلسان الحال أو المقال؛ لإزاحة توهم المنّ المبطل للصدقة، وتوقع المكافآت المنقصة للأجر: ﴿إنما نُطعمكم... ﴾ الخ. وعن الصدّيقة ـ رضي الله عنها ـ كانت تبعث بالصدقة، ثم تسأل الرسولَ ما قالوا، فإذا ذكر دعاءهم دعت لهم بمثله، ليبقى لها ثواب الصدقة خالصاً. {لا