نُريد منكم جزاء ولا شُكوراً} أي: لا نطلب على طعامنا مكافأة هدية ولاثناءً، وهو مصدر: شكر شكراً وشُكوراً.
﴿إِنَّا نخافُ من ربنا﴾ أي: إنا لا نُريد منكم المكافأة لخوف عذاب الله على طلب المكافأة في الصدقة، أو: إنا نخاف من ربنا فنتصدّق لوجهه حتى نأمن من ذلك الخوف، ﴿يوماً عَبُوساً قمْطريراً﴾، وصف اليوم بصفة أهله، نحو: نهاره صائم. والقمطرير: الشديد العبوس، الذي يجمع ما بين عينيه، أي: نخاف عذاب يوم تعبس فيه الوجوه أشد العبوسة.
﴿
فوقاهم اللهُ شَرَّ ذلك اليوم﴾ ؛ صانهم من شدائده، لسبب خوفهم وتحفُّظهم منه، ﴿ولَّقاهم﴾ أي: أعطاهم بدل عبوس الفجار ﴿نضرةً﴾ ؛ حُسناً في الوجوه ﴿وسُروراً﴾ في القلب، ﴿وجزاهم بما صبروا﴾ ؛ بصبرهم على مشاق الطاعات، ومهاجرة المحرمات، وإيثار الغير بالعطاء في الأزمات، ﴿جنةً﴾ ؛ بستاناً يأكلون منه ما يشاؤون ﴿وحَرِيراً﴾ يلبسونه ويتزينون به.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنّ الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ مَرِضا فعادهما النبيُّ ﷺ في أّناس معه، فقالوا لعليّ رضي الله عنه: لو نذرت على ولدك، فنذر عليّ وفاطمةُ وجاريتهما ـ يقال لها: فِضة ـ إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشُفيا، فاستقرض عليّ من يهودي ثلاث أصُوع من الشعير، فطحنت ـ رضي الله عنها ـ صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني، أطعمكم اللهُ من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا وضعوا الطعام بين أيديهم، فوقف عليهم يتيم، فأثروه، ثم وقف عليهم في الثالثة أسير، ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا أخذ بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون، كالفراخ من شدة الجوع، قال عليه السلام: " ما أشد ما يسوؤني مما أرى بكم "، وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبريلُ عليه السلام وقال: يا محمد هنّاك الله في بيتك، فأقرأه السورة. هكذا ذكر القصة الزمخشري وجمهور المفسرين، وأنكر ذلك الترمذي الحكيم في نوادره، وجزم بعدم صحتها لمخالفتها لأصول الشريعة، وعدم جريه على ما تقتضيه من إنفاق العفو، وكذا " ابْدَأ بمَن تَعُولُ " و " كفى بالمرء إثماً أن يَضيّع مَن يقوت "، وغير ذلك. هـ.