صاحب ابن مريم عليه السلام ورفقه وتلطُّفه مع ذلك الملك الذي سجن صاحبيْه، حتى استخلصهما منه برفق، وأعلم الملكَ وجميعَ الناس في قضية عجيبة، فعليك بها.
﴿
إِنما ينهاكم اللهُ عن﴾
موالاة ﴿الذي قاتلوكم في الدين وأَخْرَجوكم من دياركم﴾، وهم عتاة أهل مكة، ﴿وظاهَرُوا﴾ أي: عاوَنُوا ﴿على إِخراجكم﴾ وهم سائر أهلها، ﴿أن تَوَلَّوْهم﴾ : بدل اشتمال من الموصول، والمعنى: لا ينهاكم عن مبرة مَن لم يتعرّض لكم، إنما ينهاكم عمّن أذاكم ﴿أن تَولَّوهُم ومَن يتولهمْ فأولئك هم الظالمون﴾ حيث وضعوا التولي في غير موضعه. الإشارة: لا ينهاكم الله عن النفوس المطيعة، التي لم تصدكم عن السير إلى الحضرة، أن تبرُّوا بها، وترفقوا بها، إنما ينهاكم عن النفوس الفاجرة، التي قاتلتكم، وصدّتكم عن الحضرة، وأخرجتكم عن دائرة الولاية، باتباع هواها أن تولوها، وتسعوا في حظوظها وهواها، ومَن يتولها، وبقي في رِقَّها؛ فقد ظلم نفسه وبخسها، حيث حرمها نعيمَ الحضرة. أو: لا ينهاكم الله عن بعض العامة، التي لا مضرة فيهم، أن تبرهم بالوعظ والتذكير، وتُقسطوا إليهم بقول الإحسان، إنما ينهاكم عن أهل الإنكار المخالفين لكم، من الجبابرة الغافلين، والقراء المداهنين، والعلماء المتجبرين، والفقراء الجاهلين، أن تولوهم؛ فإنَّ مخالطتهم سم قاتل للمريد، ومَن يتولهم لا يُفلح أبدًا.
قلت: ﴿إذا جاءكم المؤمناتُ﴾ إنما حُذفت تاء التأنيث للفصل بالمفعول، ورُدّ بأنّ الحذف مع الفصل بغير " إلاّ " مرجوح، والصواب: أنه على حذف الموصوف، أي: النساء المؤمنات، وهو اسم جمع، يجوز في الأمران، كقوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ... ﴾ [يوسف: ٣٠].
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمناتُ﴾ أي: مُشْرِفات على الإيمان ونَطَقْن بالشهادة، وإنما ظهر بعد الامتحان، ﴿مُهاجراتٍ﴾ من بين الكفار، ﴿فامْتَحِنُوهن﴾ ؛ فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهن للسانهن. كان صلى الله عليه وسلم


الصفحة التالية
Icon