آخر أنهم جميعاً من أمته، فقال: " الفرقتان من أمتي "، فسابق أول الأمة ثلة، وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل. هـ. من الثعالبي. وقيل: المراد بالأولين: الأمم الماضية، والآخرين: الأمة المحمدية، وهو بعيد أو فاسدٌ، واقتصر في نوادر الأصول على أنَّ الثلة الأنبياء، وخُتموا بمحمد ﷺ ومِنْ بعده الأولياء، وعددهم قليل في كل زمان. هـ. وفي المَحلِّي هنا تخليط. انظر الحاشية.
﴿على سُرُرٍ﴾ جمع سرير، ﴿موضونةٍ﴾ قال ابن عباس: " مرمولة "، أي: منسوجة بقضبان الذهب، وقضبان اللؤلؤ الرطب، طولُ السرير: ثلاثمائة ذراع، فإذا أراد الجلوس تواضع، فإذا استوى عليه ارتفع، ﴿متكئين عليها﴾ حال من الضمير في الظرف، وهو العامل فيه، أي: استقروا على سُرر متكئين عليها اتكاء الملوك على الأَسِرة، ﴿متقابلين﴾ ينظر بعضهم في وجوه بعض، ولا ينظر بعضهم من أقفاء بعض. وُصفوا بحسن العِشْرة، وتهذيب الأخلاق، وصفاء المودة. وهو أيضاً حال.
﴿يطوف عليهم﴾ يَخدمهم ﴿وِلدانٌ﴾ غلمان، جمع وليدٍ، ﴿مُخلَّدون﴾ مُبْقَّوْنَ أبداً على شكل الولدان، لا يتحولون عنه إلى الكِبَر، وقيل: مقرَّطون، والخِلَدَةُ: القُرْط، وهو ما يلقى في الأذن من الأخراص وغيرها. قيل: هم أطفال أهل الدنيا، لم يكن لهم حسنات يُثابون عليها، ولا سيئات يعاقبون عليها. وفي الحديث: " أولاد الكفار خُدّام أهل الجنة " وهذا هو الصحيح. ﴿بأكوابٍ﴾ جمع كوب، وهو آنية لا عروة لها ولا خرطوم، ﴿وأباريقَ﴾ جمع إبريق، وهو ما له خرطوم وعروة، ﴿وكأسٍ﴾ أي: قدح فيه شراب، فإن لم يكن فيه شراب فلا يُسمى كأساً، ﴿من مَعينٍ﴾ من خمر، يجري من العيون، ﴿لا يُصَدَّعون عنها﴾ أي: بسببها، أي: لا يصدر عنها صُداع، وهو وجع الرأس، ﴿ولا يُنزَفُونَ﴾ ولا يسكرون، يقال: نزَف الرجل: ذهب عقله بالسُكر، فهو نزيف ومنزوف. وقرأ أهل الكوفة بضم الياء وكسر الزاي، أي: لا ينفذ شرابهم، يقال: أُنزف القوم: إذا نفد شرابهم. وفي الحديث: " زَمزمُ لا تُنْزَفُ ولا تُذَمّ " أي: لا ينفذ ماؤها.
﴿
وفاكهةٍ مما يتَخيَّرون﴾
أي: يختارونه ويأخذون خيره وأفضله، يجنونه بأيديهم، وهو أشد نعيماً وسروراً من أخذه مجنياً، ﴿ولحم طيرٍ مما يشتهون﴾ مما يتمنون مشوياً أو مطبوخاً، ﴿وحُورٌ عِينٌ﴾ أي: وفيها حور عين، أو: لهم حور عين، ويجوز أن يعطف
كلامه من عمله قَلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه " قلت: يا رسول الله؛ فما كانت صُحف موسى عليه السلام؟ قال: " كانت عِبَراً كلها؛ عجبت لمَن أيقن بالموت كيف يفرح، عجبت لمَن أيقن بالقدر ثم هو ينصب ـ أي يتعب، عجبت لمَن رأى الدنيا وتقلُّبها بأهلها ثم اطمأن إليها، وعجبت لمَن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل " قلت: يا رسولَ الله؛ وهل في الدنيا شيء مما كان في يدي إبراهيم وموسى، مما أنزل الله عليك، قال: " نعم، اقرأ يا أبا ذر: ﴿قد أفلح مَن تزكى..﴾ الآية إلى السورة " ثم قال: قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: " أوصيك بتقوى الله عزّ وجل، فإنه رأس أمرك " قلت: زدني، قال: " عليك بتلاوة القرآن وذكرِ الله عزّ وجل، فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض " قلت: يا رسول الله؛ زدني، قال: " إياك وكثرة الضحك، فإنه يُميت القلب، ويذهب بنور الوجه "، قلت: يا رسول الله؛ زدني، قال: " عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي "، قلت: يا رسول الله؛ زدني، قال: " عليك بالصمت إلاَّ مِن خير، فإنه مطردة للشيطان، وعون لك على أمر دنياك " هـ.
وعن كعب الأحبار أنه قال: قرأتُ في العشر صحف التي أنزل اللهُ على موسى عليه السلام سبعة اسطار متصلة، أول سطر منها: مَن أصبح حزيناً على الدنيا أصبح ساخطاً على الله، الثاني: مَن كانت الدنيا أكبر همه نزع اللهُ خوف الآخرة من قلبه، الثالث: مَن شكى مصيبة نزلت به كأنما شكى الله عزّ وجل، الرابع: مَن تواضع لِمَلِك مِن ملوك الدنيا ذهب ثلث دينه، الخامس: مَن لا يبالي من أي الأبواب أتاه رزقه لم يُبال اللهُ من أي أبواب جهنم يدخله ـ يعني من حلال أو حرام، السادس: مَن أتى خطيئَة وهو يضحك دخل النار وهو يبكي، والسابع: مَن جعل حاجته إلى آدمي جعل اللهُ الفقر بين عينيه. هـ.
الإشارة: فَذكِّرْ أيها العارف الدالّ على الله إن نفعت الذكرى؛ إن رجوتَ أو توهمتَ نفع تذكيرك، فإن تحققتَ عدم النفع فلا تتعب نفسك في التذكير، فربما يكون بطالة، كتذكير العدو الحاسد لك، أو المعاند، أو المنهمك في حب الرياسة، فتذكير هؤلاء ضرب في حديد بارد. وينبغي للمذَكِّر أن يكون ذا سياسة وملاطفة، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِىا سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... ﴾ [النحل: ١٢٥] الخ، والحكمة: هي أن تٌقر كلَّ واحد في حكمته، وتدسه منها إلى ربه، فأهل الرئاسة تقرهم فيها وتدلهم على الشفقة والرحمة بعباد الله، وأهل الدنيا تُقرهم فيها وتدلهم على بَذلها، وأهل العلم تُقرهم في علمهم وتحضهم على الإخلاص وبذل المجهود في نشره، وأهل الفقر تقرهم فيه وتُرغبهم في الصبر... وهكذا، فإن رأيتَ أحداً تشوّف إلى مقام أعلى مما هو فيه فدُلّه عليه، وأهل التذكير لهم عند الله جاه كبير، فأحَبُّ الخَلْقِِِ إلى اللَّهِ أَنفَعُهُم لعياله، كما في الحديث. وفي


الصفحة التالية
Icon