السر، قدر ما يطيقون، ومن نقض العهد ورجع عن الإرادة فلا تُمسكوا بعصمته، وأطلقوه مع نفسه، فإن سألكم شيئًا مما كان بذل فسلوه عوض ما بذلتم له من العلم، وإن رجع أحد منكم إلى أهل الإنكار، ثم جاء أحد منهم إليكم فآتوه من العلم ما آتيتم مَن فرّ منكم، واتقوا الله الذي توجهتم إليه، فلا تُعطوا السر مَن لا يستحقه، ولا تمنعوه من مستحقه. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿يا أيها النبي إِذا جاءك المؤمناتُ﴾ حال كونهن ﴿يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أوْلادَهُن﴾، يريد: وأد البنات، ﴿وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾، كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هو ولدي منك. كنَّى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً؛ لأنّ بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين، وفرجها الذي تلد منه بين الرِجلْين. ﴿ولا يَعْصِينَكَ في معروفٍ﴾ أي: فيما تأمرهن من معروف، وتنهاهن عن منكر. والتعبير بالمعروف مع أنّ الرسول ﷺ لا يأمر إلاّ به؛ للتنبيه على أنه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق. وتخصيص الأمور المعدودة بالذكر في حقهن؛ لكثرة وقوعها فيهن. ﴿فبايعْهُنَّ﴾ على ما ذكر وما لم يذكر؛ لوضوح أمره، ﴿واسْتَغفِرْ لهنَّ اللهَ﴾ فيما مضى، ﴿إِنَّ الله غفور رحيمٌ﴾ أي: مبالغ في المغفرة والرحمة، فيغفر لهن ويرحمهن إذا وَفَّيْن بما بايعن عليه.
رُوي: أنه ﷺ لمّا فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال، أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعُمرُ قاعد أسفل منه، يُبايعهنّ عنه بأمره، وهند بنت عتبة ـ امراة أبي سفيان ـ متقنّعه متنكّرة مع النساء، خوفًا من النبي صلى الله عليه سلم أن يعرفها، فقال صلى الله عليه وسلم: " أبايعكن على ألا تُشركن بالله شيئًا " فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا شيئًا ما رأيتك أخذته على الرجال ـ لأنه عليه السلام بايع الرجال على الإسلام والجهاد فقط ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا تسرقن " فقالت هند: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصَبتُ منم ماله هَنَاتٍ، فقال أبو سفيان: هو لك حلال، فقال: " ولا تزنين " فقالت هند: أَوَتزني الحُرّة؟ فقال: " ولا تقتلن أولادكنّ "، فقالت هند: رَبيناهم صغارًا وقتلتموهم كبارًا، وكان ابنها قُتل يوم بدر، فقال: " ولا تأتين ببهتان... " الخ، فقالت هند: والله إنّ البهتان لقبيح، وما تأمرنا إلاّ بالرشد ومكارم الأخلاق! فقال: " ولا تعصين في معروف " فقالت: وما جلسنا في مجلسنا


الصفحة التالية
Icon