ففرحت فرحاً حتى كادت أن تظهر لي، وسرَّت لي، وجعلت تسألني عن
واحد واحد من أهلي، وجيراني، وإخواني، وأصدقائي، وقالت: ألك
حاجة؟ قلت: نعم، أريد أن أقرأ على الشيخ؟
فقالت: كفيت المؤنة في ذلك، فسل غيرها، قلت: لا حاجة لي سواها، قالت: إذا كان من غد فاغد إلى المسجد، فإنك تصل إلى جميع ما تريده، فغدوت إلى المسجد، فوقفت على الباب، فإذا الشيخ قد أمر لي بالدخول، وإذا جماعة من أصحابه قد تبادروا إليَّ يقولون لي: ادخل ادخل، وقد رمقني
الجماعة بأبصارهم، ووسعوا لي من كل موضع، فلما دنوت منه سلمت
عليه، وجلست بين يديه، فقال لي: أنت أبو الحسن بن الأخْرَم؟
قلت: نعم، فأخذ يسألني عن حروف الشاميين، وأنا أجيبه عن جميع ما يسألني عنه، ثم سألني عن حروف غير الشاميين، ثم سألني عن غرائب حروف القراءة، ثم سألني عن الشاذ، وعن غرائب الشواذ، ثم سألني عن معاني ما سألني عنه من الحروف، وأنا أجيبه عن جميع ما يسألني عنه.
فضرب بيده على يدي، وقبض عليَّ، وجذبني إلى عنده، وأقعدني إلى
جنبه، ثم قال لأصحابه: هذا صاحب أبي عبد الله هارون بن موسى بن شريك الأخفش.
فلما قام عند انقضاء مجلسه اجتمع إليَّ جميع أصحابه، وقرؤوا عليَّ.
وأدخلني ابن مجاهد على الوزير علي بن عيسى، فقضى جميع
حوائجنا التي جئنا من أجلها إلى بغداد، وألزمني الوزير المقام عنده.
ورجع جميع من كان معي إلى دمشق، فأقمت ببغداد سبع سنين كلما


الصفحة التالية
Icon