جوازِ التيمم في سفرِ التجارةِ وما أشبهه من الأسفارِ المباحةِ، وهذا مما يَستأنس به من يقول: إنَّ الرُّخَصَ لا تُستباح في سفرِ المعصية.
وأمَّا دعوى نزول سورةِ المائدةِ كلِّها في حجِّةِ الوداع فلا تَصحُّ، فإن فيها
آيات نزلتْ قبلَ ذلكَ بكثيرٍ، وقد صحَّ أن المقْدادَ قال للنبيِّ - ﷺ - يومَ بدرٍ: لا نقول لكَ كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهبْ أنتَ وربُّك فقاتِلا إنَّا هَا هُنا قاعدُون، فدل هذا على أنَّ هذه الآية نزلتْ قبل غزوةِ بدر. واللَّهُ أعلمُ.
وقد ذكرَ اللَّهُ تعالى التيممَ في الآيتينِ بلفظ واحد، فقال فيهما:
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).
فقولُهُ تعالى: (وَإِن كنتُم مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ)، ذكر شيئين مبيحين
للتيمم:
أحدهما: المرضُ، والمرادُ به عندَ جمهورِ العلماءِ: ما كانَ استعمال الماءِ معه
يُخشى منه الضررُ.
والثاني: السفرُ، واختلفُوا: هل هوَ شرطٌ للتيمم مع عدمِ الماءِ، أم وقعَ
ذكرُه لكونِهِ مظنَّة عدمِ الماءِ غالبًا، فإن عدمَ الماء في الحضرِ قليل أو نادرٌ، كما قال الجمهورُ في ذكرِ السفرِ في آيةِ الرَّهْنِ، أنَّهَ إنما ذُكِر السَّفرُ لأنه مظنَّةُ عدمِ الكاتب، وليس بشرط للرَّهنِ.
والجمهورُ: على أنَّ السفر ليس بشرط للرهنِ ولا للتيمم مع عدمِ الماءِ.
وأنَه يجوزُ الرهنُ في الحضرِ، والتيمم مع عدمِ الماءِ في الحضرِ.
وقالت الظاهريةُ: السفر شرطٌ في الرهنِ والتيمم.


الصفحة التالية
Icon