وعن أحمدَ روايةٌ باشتراطِ السفرِ للتيمم خاصةً، وحُكي روايةً عن أبي
حنيفة وعن طائفة من أصحابِ مالكٍ.
وعلى هذا: فلا فرق بين السفرِ الطويلِ والقصيرِ على الأصح عندهم.
وقولُهُ: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ منكُم منَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتمُ النِّسَاءَ).
قد قيل: إنَّ "أو" هنا بمعنى الواو، كما يقولُ الكوفيونَ ومنْ وَافَقَهُم، فإنه
لما ذَكَر السببينِ المبيحينِ للتيمم، وهما التضررُ باستعمالِهِ بالمرضِ ومظنةُ فقْدِهِ
بالسفرِ ذكر ما يُستباحُ منه الصلاةُ بالتيمم وهو الحدثُ، فإنَّ التيمم يُبيحُ
الصلاةَ من الحدثِ الموجودِ ولا يرفعُه عند كثيرٍ من العُلماءِ، وهو مذهبُ
الشافعيِّ، وظاهرُ مذهبِ أحمدَ وأصحابِه، ولهذا قالُوا: يجب عليه أن ينوي
ما يستبيحُه من العباداتِ وما يَستبيح فعلَ العباداتِ منه من الأحداثِ.
وقالتْ طائفةٌ: بل التيمم يرفع الحدثَ رفْعًا مؤقتًا بعدمِ القدرةِ على
استعمالِ الماءِ، ورُبَّما استدل بعضُهم بهذه الآيةِ، وقالُوا: إنَّما أمرَ اللَّهُ بالتيمم مع وجودِ الحدثِ، ولو كانَ التيممُ واجبًا لكلِّ صلاةٍ أو لوقتِ كل صلاةٍ - كما يقولُهُ من يقول: إنَّ التيممَ لا يرفعَ الحدثَ، على اختلافٍ بينهم في ذلك - لما كان لذكرِ الحدثِ معنًى.
والأظهرُ - واللهُ أعلمُ -: أنَّ "أو" ها هُنا ليست بمعنى الواو، بل هي على
بابها، وأُرِيدَ بها: التقسيم والتنويع، وأنَّ التيممَ يُباح في هذه الحالاتِ
الثلاثِ، واثنتان منهما مَظِنَّتان، وهُما: المرضُ والسفرُ، فالمرضُ مظنَّة التضررِ باستعمالِ الماء، والسفر مظنة عدم الماءِ، فإن وُجدتْ الحقيقةُ في هاتينِ المظنتينِ جازَ التيممُ، وإلا فلا.