وأمرَ بإقامِ الصلاةِ في غيرِ موضع من كتابهِ، كما
أمرَ بالاستقامةِ على التوحيدِ في تلك الآيتينِ.
والاستقامةُ: هي سلوكُ الصِّراطِ المستقيم، وهو الدِّينُ القيّمُ من غيرِ تعريج
عنه يمنةً ولا يَسرةً، ويشملُ ذلك فعلَ الطَّاعاتِ كلِّها، الظاهرةِ والباطنةِ.
وتركَ المنهيات كلِّها كذلك، فصارت هذه الوصيةُ جامعةً لخصالِ الدِّينِ كُلِّها.
وفي قولهِ عزَّ وجلَّ: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِروهُ)، إشارةٌ إلى أنَّه
لا بُدَّ من تقصيرٍ في الاستقامةِ المأمورِ بها، فيجْبُرُ ذلك الاستغفارُ المقتضي
للتَّوبةِ والرُّجوع إلى الاستقامة، فهو كقولِ النبيِّ - ﷺ -لمعاذ: "اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها".
وقد أخبرَ النبيُّ - ﷺ -
أنًّ الناسَ لن يُطيقُوا الاستقامةَ حقَّ الاستقامةِ، كما خرَّجه الإمامُ أحمدُ وابنُ ماجةَ من حديثِ ثوبانَ عن النبيِّ - ﷺ - قالَ:
"استقيموا ولن تُحْصوا، واعلمُوا أنَّ خيرَ أعمالكُم الصَّلاةُ، ولا يُحافِظُ على الوضوءِ إلا مؤمنٌ ".
وفي روايةٍ للإمامِ أحمدَ: "سَدِّدُوا وقاربُوا، ولا يحافِظُ على الوضوءِ إلا مؤمنٌ ".
وفي "الصحيحينِ " عن أبي هريرةَ عن النبيِّ - ﷺ - قالَ: "سدِّدُوا وقاربُوا".
فالسَّدادُ: هو حقيقةُ الاستقامةِ، وهو الإصابةُ في جميع الأقوالِ والأعمالِ
والمقاصدِ كالذي يرمي إلى غرضٍ فيُصيبُه.
وقد أمرَ النبيُّ - ﷺ - عليًّا أن يسألَ
اللَّهَ عزَّ وجلَّ السَّدادَ والهُدى، وقالَ له:
"اذكرْ بالسَدادِ تسديدَكَ السَّهمَ، وبالهدى هدايتك الطَّريق ".


الصفحة التالية
Icon