أقوى الأقوالَ، وهو قولُ مالكٌ وقرره عمرُ بنُ عبد العزيزِ في رسالتِهِ في
الفيءِ تقريرًا بليغًا شافيًا - رضي الله عنه -.
فهذه ثلاثة أقوال في الآية إذا قلنا: إنَّ الفيءَ هنا ما أخذَ بقتالٍ، هل هي
منسوخة أو أن المرادَ بها خمسُ الغنيمةِ أو أنَّ المرادَ بها الأرضُ خاصةً، وهذا
الثالثُ أصحُّ ويقررُ هذا أنَّ الفيءَ يستعملُ كثيرًا فيما أخذ بقتالٍ.
وروى إبراهيمُ بنُ طهمانَ عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: "أفاءَ اللَّه على رسولِهِ خيبرَ فأقرَّهم رسولُ اللَّه - ﷺ - كما كانُوا"، وذكرَ الحديث.
وروى يحيى بنُ سعيد عن بشير بنِ يسار أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - لما أفاء اللهُ عليه خيبرَ قسمَها ستةً وثلاثينَ سهمًا، وذكرَ الحديث.
خرَّجه أبو داود.
وإذا تقرَّرَ هذا فمن رأى دخولَ الأرضِ في آية الغنيمةِ خاصةً أوجبَ
قسمتَها بين الغانمينَ، ومن رأى دخولَها في آية الفيءِ خاصةً فمنهم من أوجب
إرصادَهَا للمسلمينَ عمومًا، كقول مالكٍ وأصحابِهِ، ومنهم من خير بين ذلك وبين قسمتِها، وهو قولُ الأكثرين، ثمَّ إنَّ أبا عبيد زعمَ أنَّ الصحابةَ - رضي الله عنهم - رأوا دخولَها في كلتا الآيتَيْنِ، فلذلكَ منهم من أشارَ بقسمتِها ومنهُم من أشارَ بحبسِها، وردَّ ذلك أصحابُ مالكٌ، وقالُوا: لو دخلتْ في آيةِ الغنيمةِ لكانتْ حقًّا للغانمينَ كالمنقولاتِ، فكيف يخيرُ الإمامُ بين إعطائها لأهلِها المستحقين لها وبين منعِهم حقّهم.
وقد يقالُ: إنَّ من رأى قسمتَها كالزبير وبلالٍ - رضي الله عنهما -، وهو أولُ اختيارَيِّ عمرَ - رضي الله عنه - لم يكنْ مأخذُهُ في ذلك دخولَها في آيةِ الغنيمة، وإنما يكونُ