مأخذُهُم في ذلكَ أنها لما كانت فيئًا لجميع المسلمين، وحقًّا مشتركا بينهم جاز
تخصيصُ الغانمينَ بها لأنهم من جملةِ المسلمين، ولهم خصوصيةٌ على غيرِهم
بحصولِ هذه الأرضِ بقتالِهم عليها، فإذا كانتِ المصلحةُ في تخصيصِهم بها
جازَ، وهذا كما أقطع عثمانُ - رضي الله عنه - جماعةً من الصحابة بعض أرضِ السوادِ إقطاعَ تمليكٍ، ونظيرهُ وقفُ الإمامِ بعضَ أراضي بيتِ المالِ على بعضِ المسلمين، وقد أفتى بجوازِ ذلك ابنُ عقيل من أصحابنا وطوائفُ من أصحاب الشافعي وأبي حنيفةَ، ومن الشافعية من منع ذلك.
* * *
قوله تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)
من ملك نفسَهُ وقهرَهَا ودانَها: عزَّ بذلكَ " لأنه انتصرَ على أشدِّ أعدائهِ
وقهرهُ وأسرهُ واكتفَى شرَّه قال اللَهُ تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فحصرَ الفلاحَ في وقايةِ شحِّ نفسِهِ، وتطلُّعِها إلى ما
مُنعتْ منهُ، وحرصِها على ما يُضيرُها مما تشتهيهِ: من علوٍّ وترفع، ومالٍ
وجاهٍ وأهلٍ ومسكنٍ، ومأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ وغيرِ ذلكَ.
فإنَّها تتطلعُ إلى ذلكَ كلِّه وتشتهِيهِ، وهو عينُ هلاكِهَا ومنه ينشأ البغيُ
والحسد والحقدُ.
فمن وقِيَ شح نفسه فقد قهرهَا وقصرَهَا على ما أُبيحَ لها
وأُذنَ لها فيه، وذلكَ عين الفلاح.
* * *