القلبِ يُفهمُ بها معنى العلم المنزل من السَّماء، ويحُضُّ على اتِّباعِه والعملِ
به.
ومَن قال: الحكمةُ السنةُ، فقولُه حقٌّ؛ لأنًّ السنةَ تفسِّرُ القرآنَ وتبينُ معانيه
وتحُضُّ على اتباعِهِ والعملِ به؛ فالحكيمُ هو العالم المستنبطُ لدقائقِ العلم
المنتفع بعلمهِ بالعمل بهِ. ولأبي العتاهية:
وكَيْفَ تُحِبُّ أنْ تُدْعَى حكيمًا... وأنْتَ لِكُلِّ ما تَهْوَى رَكُوبَ
وتَضْحَكُ دَائِبًا ظَهْرًا لِبَطْنِ... وَتَذْكُرُ مَا عَمِلْتَ فَلا تَتُوبُ
وقوله: (وَإَن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)، إشارة إلى ما كان النَّاسُ عليه
قبلَ إنزالِ هذا الكتابِ من الضلالِ، فإنَّ اللَّهَ تعالى نظرَ حينئذٍ إلى أهلِ
الأرضِ، فمقتهُم، عربهُم وعجمهُم، إلا بقايا مِن أهلِ الكتابِ تمسَّكُوا بدينهِم الذي لم يُبدَّلْ ولم يُغيرْ، وكانوا قليلاً جدًّا.
فأمَّا عامَّةُ أهل الكتابِ فكانوا قد بدَّلُوا كُتُبَهُم وغيّرُوها وحرفُوها، وأدخلُوا
في دينهم ما ليسَ منه فضلّوا وأضلُّوا.
وأمَّا غيرُ أهلِ الكتابِ فكانُوا على ضلالٍ مُبينٍ؛ فالأميّون أهلُ شركِ يعبدَونَ الأوثانَ، والمجوسُ يعبدُونَ النيرانَ ويقولون بإلهينِ اثنينِ، وكذلك غيرهُم مِن أهلِ الأرضِ؛ منهم مَن كان يعبدُ النّجومَ، ومنهم مَن كان يعبدُ الشَّمسَ أو القمر، فهدَى اللَّه المؤمنينَ بإرسالِ محمَّدٍ - ﷺ - إلى ما جاءَ بهِ منَ الهُدى ودينِ الحقّ؛ وأظهرَ اللَّهُ دينهُ حتى بلغَ
مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، فظهرتْ فيها كلمةُ التَّوحيدِ والعَمَل بالعدْلِ بعد أن
كانتْ الأرضُ كلُّها ممتلئةَ من ظُلمةِ الشِّركِ والظُّلم.
فالأميُّون هم العربُ، والآخرون الذين لم يلحقُوا بهم هم أهلُ فارسَ والرُّوم، فكانتْ أهلُ فارسَ مجوسًا، والرُّومُ نصارَى، فهدَى اللَّهُ تعالى جميعَ هؤلاءِ برسالةِ محمَّدٍ - ﷺ - إلى التوحيدِ.