يهديه بعد ذلك هداية بعد هداية؛ حتى يبلغ بها درجة العصمة.
وهذا كقوله: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧) ﴾
ويحتمل أن يقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾
في طاعتنا في الدنيا لنهدينهم سبلنا
في العقبى بالثواب لهم على ذلك، كما قال: ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) ﴾.
يحتمل باللطف في الدنيا، وبالثواب في العقبى.
ويحتمل أيضاً: أن يقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾
أي: في طلب معرفتنا.
إلى ما طلبوا في العقبى برفع المجاهدة، والإتيان
بالمجاهرة، والمكاشفة؛ فإن المجاهدة مقرونة بالمحن، وعوارض
الفتن، والمعاينة معها السلامة من كل آفة، ولذلك كان تحيته لهم.
لهم عند اللقاء سلام في قوله: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) ﴾.
وفي قوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾
بالجنة محلهم، وهي دار السلام، واللقاء موعدهم، ومعه تحية بالسلام من
الرب الذي هو السلام.
فكأنه يقول: ﴿تَحِيَّتُهُمْ﴾ التي هي مقرونة بالسلامة من كل وجه؛ كما
هديناهم إلى سبلنا المقرونة بالمخاوف المربوطة بالمجاهدات؛ التي
هي المشقات؛ والمكابدات منها مدافعة النفس عن هواها والتزام طاعة الله
، ومنها منابذة الشيطان الذي هو عدو متصور بصورة الولي، وكذلك كل ما
بين يديه من آلة، وزينة يعد من متاع الدنيا، فإنهم قد يصوروا لهم بصورة