مُدَّةِ شُهُورِ الْحَجِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْهَا الَّذِي يُوَافِي مَكَّةَ فِي إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ إِحْرَامُهُ ذَلِكَ إِلَّا قَبْلَ شُهُورِ الْحَجِّ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَجَمَعَ النَّاسَ جَمِيعًا فِي جَوَابِهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ بَعِيدِ الدَّارِ مِنْهُمْ مِنْ مَكَّةَ، وَلَا بَيْنَ قَرِيبِ الدَّارِ مِنْهُمْ مِنْهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِلنَّاسِ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَا، لِأَنَّ عَلِيًّا أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُ آيَةٍ أُخْرَى مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا عَمَّنْ سِوَاهُ وَسِوَى عَلِيٍّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْوِيلِ تِلْكَ الْآيَةِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ عَلِيٍّ تَأْوِيلَهَا، وَجَابِرٌ فَإِنَّمَا رُوِيَ لَنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مِنْ رَأْيِهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَ عَلِيٌّ مِنْ ذَلِكَ أَدَلَّ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ فِيمَا
تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ شُهُورِ الْحَجِّ، قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَدْ كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، تَقُولُ: إِنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ يُوجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِهِ عُمْرَةً، وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةً، وَهَذَا الْقَوْلُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ كَمَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ يَكُونَ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ الْحَجُّ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ، فَيَكُونُ كَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ بِهِ، وَيَكُونُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِإِحْرَامِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي غَيْرِهِ، كَرَجُلٍ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ دَاخِلًا فِيهَا، وَلَا فِي غَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا رَدَدْتُ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إِلَى أَنْ جَعَلْتُهُ عُمْرَةً، لِأَنِّي رَأَيْتُ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ قَدْ رُدَّ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ إِلَى عُمْرَةٍ فَقِيلَ لَهُ: تُحِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْكَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَرُدَّ إِحْرَامُهُ ذَلِكَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِفَوْتِ الْحَجِّ
إِيَّاهُ قَالَ: فَكَذَلِكَ رَدَدْتُ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِتَقَدُّمِهِ فِي إِحْرَامِهِ وَقْتَ الْحَجِّ قِيلَ لَهُ: وَهَلْ أَعَدْنَا إِحْرَامَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ بِالْحَجِّ الَّذِي كَانَ أَحْرَمَ بِهِ إِلَى أَنْ جَعَلْنَاهُ عُمْرَةً؟ إِنَّمَا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ الْمُعْتَمِرُ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُحِلَّ مِنْ حُرْمَةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْحَجِّ، وَذَلِكَ مَا هُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنَ الْحَجِّ