وَفِي حَمْلِ هَذَا الْخَيْرِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ
عَلَى الإِرْشَادِ، لَا عَلَى الإِيجَابِ وَأَمَّا مَا رُوِّينَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْخَيْرِ عَنْ عُبَيْدَةَ، وَأَنَّهُ الصَّلاةُ، فَإِنْ كَانَ يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يَجِبُ عَلَى مُقِيمِي الصَّلاةِ مِنَ الْوَفَاءِ بِالأَقْوَالِ وَالامْتِثَالِ فِي الْمُعَامَلاتِ مَا قَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مُقِيمِي الصَّلاةِ، فَقَدْ رَجَعَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ خَاصَّةً فَذَلِكَ عِنْدَنَا لَا مَعْنَى لَهُ، لأَنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ فِي هَذِهِ الآيَةِ مِنْ مُكَاتَبَةِ غَيْرِ أَهْلِ الصَّلاةِ مِنَ الْيَهُودِ، وَمِنَ النَّصَارَى، وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإْسِلامِ، وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا رُوِّينَا فِي تَأْوِيلِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، وَأَنَّهُ الْمَالُ، فَذَلِكَ مُحَالٌ عِنْدَنَا، لأَنَّ الْعَبْدَ نَفْسَهُ مَالٌ لِمَوْلاهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مَالٌ؟ وَأَمَّا مَا رُوِّينَا فِي تَأْوِيلِهِ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَنَّهُ إِرَادَةُ الْخَيْرِ، فَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ، لأَنَّ الصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ مِنَ الْخَيْرِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ فَغَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ عَلِمُوا فِيمَنْ يَمْلِكُونَ الْخَيْرَ، وَابْتَغَوْا مِنْهُمُ الْكِتَابَ، لأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَالِكِينَ إِذَا طَلَبَهُ مِنْهُمُ الْمَمْلُوكُونَ، لَكَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَمْلُوكِينَ إِذَا طَلَبَهُ مِنْهُمُ الْمَالِكُونَ، لأَنَّ أَحْكَامَ التَّمْلِيكَاتِ كُلَّهَا مِنَ الْبِيَاعَاتِ، وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهَا حُكْمُ الْمُمَلِّكِ لَهَا وَحُكْمُ الْمُمَلَّكِ إِيَّاهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى الْمَالِ الْحَالِّ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبَةُ عَلَى ذَلِكَ جَائِزَةٌ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، بِغَيْرِ اخْتِلافٍ ذَكَرَهُ بَيْنَهُمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَجُوزُ الْمُكَاتَبَةُ إِلا عَلَى مَالٍ آجِلٍ، وَلا تَجُوزُ عَلَى الْمَالِ الْعَاجِلِ وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الشَّافِعِيُّ، غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ زَادَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي ذَلِكَ، أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَجُوزُ إِلا إِلَى نَجْمَيْنِ فَمَا فَوْقَهَا مِنَ النُّجُومِ، وَلا تَجُوزُ حَالَّةً وَلا إِلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ