وأقررتم له بذلك، فلِم لا تجتنبون معصيته، ولا تتقون عقوبته إذ كانت هذه الأجرام العظيمة لا تستغنى عنه ساعة، فأنتم أحوج إلى أن يرُبَّكم، وأن تقوموا بحقّ ربانيته لكم، فتمتنعوا بطاعته من موجب عقابه، فهذه لائقة بمكانها، حالّة في موضعها.
وأما الثالثة وهي: (فأنّى تُسحَرون) فإنها جاءت بعد تقرير ثالث، وهو: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ)
أي: مَن الذي مُلكه على الأشياء أتمّ ملك فهو يَمنع ولا يُمنع منه، أي يمنع من المكروه مَن شاء، ولا يملك أحد منع من أراده بسوءٍ، وهذا أعظم ملك وأبلغه، فإذا أقرّوا بذلك فقال لهم: كيف تخدعون عن عقولكم حتى تتخذوا الأوثان والأصنام آلهة، وهي لا تسمع ولا تبصر مع القادر العليم الذي قد أقررتم له بأتمّ الملك، وبكلّ الخلق الذي يشهدكم، والذي يغيب عنكم. وقوله: (فأنى تسحَرون) أي: من أين يأتيكم ما يغلب على