﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ﴾ ١ قال: إنه ليشق علي مفارقته وقت ذهابكم به لفرط محبته، ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ ٢ أي: تشتغلون عنه برميكم ورعيكم، فأخذوها منه وجعلوها عذرهم، ومن الأمثال: (البلاء موكل بالمنطق).
وفيه أنه لم يتهمهم بما أرادوا، ولكن خاف من التقصير في حفظه. ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ ٣ أي: إن عدا عليه فأكله ونحن جماعة إنا إذا لعاجزون، فيه الذم لمن ترك الحزم. وفيه أن العجز هلكة.
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ ٤ هذا فيه تعظيم لما فعلوا أنهم اتفقوا على إلقائه في أسفل الجب، وقد أخذوا من أبيه بذلك الكلام.
وقوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ قيل: كان قد أدرك، وقيل: أوحي إليه كما أوحي إلى عيسى ويحيى ٥. وقوله: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أي: لا يشعرون بأنك يوسف، كذا روي عن ابن عباس. وقيل: لا يشعرون بإيحائنا ذلك إليه.
وفيه جواز الذنوب على الصالحين، وفيه رجاء رحمة الله، وفيه أن الله سبحانه وقت البلاء نعما عظيمة.

١ سورة يوسف آية: ١٤.
٢ سورة يوسف آية: ١٣.
٣ سورة يوسف آية: ١٤.
٤ سورة يوسف آية: ١٥.
٥ يشير إلى كلام عيسى في المهد وإعطاء يحيى الحكم صبيا (عليهما السلام) سورة مريم: ١٢-٣٠.


الصفحة التالية
Icon