في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وبيان هذا أن هؤلاء يزعمون أنهم لو تركوا طريقة الآباء ويقتصرون على الوحي، لم يهتدوا بسبب أنهم لا يفهمون، كما قالوا: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ ١، فرد الله عليهم بقوله: ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ ٢؛ فضمن لمن اتبع القرآن أنه لا يضل كما يضل من اتبع الرأي; فتجدهم في المسألة الواحدة يحكون سبعة أقوال أو ستة ليس منها قول صحيح، والذي ذكر ٣ الله في كتابه في تلك المسألة بعينها لا يعرفونه.
والحاصل أنهم يقولون: لم نترك القرآن إلا خوفا من الخطإ، ولم نُقْبِلْ على ما نحن فيه إلا للعصمة. فعكس الله كلامهم، وبين أن العصمة في اتباع القرآن إلى يوم القيامة.
وأما قوله تعالى: ﴿وَلَا يَشْقَى﴾ فهم يزعمون أن الله يرضى بفعلهم ويثيبهم عليه في الآخرة، ولو تركوه واتبعوا القرآن لغلطوا أو عوقبوا، فذكر الله أن من اتبع القرآن أمن من المحذور الذي هو الخطإ عن الطريق، وهو الضلال، وأمن من عاقبته وهو الشقاء في الآخرة.
ثم ذكر الفريق الآخر الذي أعرض عن القرآن فقال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ ٤ وذكْرُ الله هو القرآن الذي بيَّن الله فيه لخلقه ما يحب ويكره، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ ٥ ٦ الآيتين، فذكر الله لمن أعرض عن القرآن، وأراد الفقه من غيره عقوبتين:

١ قوله تعالى: (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون) سورة البقرة الآية: ٨٨.
٢ سورة البقرة آية: ٨٨.
٣ في س "ذكره".
٤ سورة طه آية: ١٢٤.
٥ سورة الزخرف آية: ٣٦.
٦ قوله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) سورة الزخرف: ٣٦-٣٧.


الصفحة التالية
Icon