الشجرة شجرة الخلد; ومنها تأكيد قوله: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ ١ وغير ذلك مما ذكر في القصة; فينبغي للمؤمن أن يكون من زخرف القول على حذر، ولا يقنع بظاهره حتى يعجم العود.
ومنها أن في القصة شاهدا لما ذكر في الحديث: "إن من العلم ٢ جهلا" أي من بعض العلم ما العلم به جهل، والجهل به هو العلم، فإن اللعين من أعلم الخلق بأنواع الحيل التي لا يعرفها آدم، مع أن الله علمه الأسماء كلها؛ فكان ذلك العلم من إبليس هو الجهل، وفي الحديث: "إن الفاجر خب لئيم ٣ وإن المؤمن غر كريم" وأبلغ من ذلك وأعم منه قول الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ ٤، فقيل لهم ما قيل وعوتبوا، فكانت توبتهم أن قالوا: ﴿سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ ٥ فكان كمالهم ورجوعهم عن العتب وكمال علمهم أن أقروا على أنفسهم بالجهل إلا ما علمهم سبحانه. ففي هذه القصة شاهد للقاعدة الكبرى في الشريعة المنبه عليها في مواضع منها قوله صلى الله عليه وسلم: "وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ٦ ").

١سورة الأعراف آية: ٢١.
٢ رواه أبو داود عن بريدة، ويروى (إن من البيان سحرا وإن من العلم جهلا).
٣ رواه أبو داود (كتاب الأدب) والترمذي (كتاب البر)، كما رواه أحمد في مسنده ٣- ٢٩٤.
٤سورة البقرة آية: ٣٠.
٥سورة البقرة آية: ٣٢.
٦ راجع في هذا المعنى: الترمذي (كتاب اللباس) وابن ماجه (كتاب الأطعمة)، وصحيح البخاري (كتاب الاعتصام) وصحيح مسلم (كتاب الفضائل)، وراجع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) سورة المائدة: ١٠١ في كتب التفسير الكبيرة.


الصفحة التالية
Icon