وأخرج الطبري عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يُخلِّفوها حتى يعلموا بما فيها من العمل، فتعلّمنا القرآن والعمل جميعاً"١.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا عجز أحدهم عن تفريغ وقت لتحصيل القرآن الكريم مباشرة من فم رسول الله ﷺ أناب عنه من يحصل عنه.
أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد – وهي من عوالي المدينة – وكنا نتناوبُ النزولَ على رسول الله ﷺ ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلتُ جئتهُ بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعلَ مثل ذلك٢.
وكان من نتيجة ذلك أن كثر الحفاظ في عهد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعرضون على النبي ﷺ القرآن ويقرؤونه عليه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " اقرأ عليّ، قلتُ: اقرأ عليك وعليك أنزل؟، قال: فإني أحب أن اسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً﴾ (النساء: ٤١) قال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان" ٣ وكان مسجده ﷺ عامراً بتلاوة القرآن يضج بأصوات الحفاظ فأمرهم رسول الله عليه وسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا.
٢ الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب التناوب في العلم، صحيح البخاري ج١ – ص٣١
٣ الحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة النساء باب (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) صحيح البخاري ج٥ – ص١٨٠.