وكان كل حافظ للقرآن ينشر ما حفظه، ويعلمه للأولاد والصبيان والذين لم يشهدوا نزول الوحي، بل كان الرسول ﷺ يدفع كل مهاجر جديد إلى أحد الحفاظ ليعلمه حفظ القرآن الكريم، فشاع حفظه بين الرجال والنساء، حتى إن المرأة المسلمة كانت ترضى سورة من القرآن أو أكثر مهراً لها، ومما ورد في ذلك ما أخرجه البخاري عن سهل بن سعد قال: أتت النبيَّ ﷺ امرأةٌ فقالت، إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله ﷺ فقال: ما لي في النساء من حاجة فقال رجل: زوجنيها، قال: أعطها ثوباً، قال لا أجد، قال: أعطها ولو خاتماً من حديد، فاعتلَّ له، فقال: ما معك من القرآن؟ قال: كذا وكذا، قال فقد زوجتكها بما معك من القرآن" ١
وخير دليل على كثرة الحفاظ في زمن الرسول ﷺ أنه قتل منهم في بئر معونة٢ المعروفة ب "سرية القراء" سبعون رجلاً، كما قتل منهم يوم اليمامة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه سبعون قارئاً.
وذكر أبو عبيد في كتابه "القراءات" عدداً كبيراً من القراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر كثيراً من المهاجرين، وكثيراً من الأنصار، وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم٣

١ الحديث أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه. صحيح البخاري ج٦ – ص١٠٨.
٢ بئر معونة: موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان، وتعرف هذه الموقعة ب (سرية القراء) وكانت بين رِعْل وذكوان، ووقعت بعد أحد مباشرة أي في حدود سنة ٤هـ. انظر خبرها في صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير، باب العون بالمدد ج٤ – ص٣٥.
٣ انظر قوله في المرشد الوجيز ص ٤٠، ٤١، والبرهان في علوم القرآن ج١ – ص ٢٤٢، والإتقان في علوم القرآن ج١ – ص ٢٤٨ النوع العشرين.


الصفحة التالية
Icon