ويدل لهما قول زيد بن ثابت – في الحديث السابق – الذي أخرجه البخاري: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف، وصدور الرجال".
فقوله "من العسب واللخاف" دليل على المكتوب، وقوله "صدور الرجال" دليل على المحفوظ.
وما ذكره السيوطي عن موسى بن عقبة في مغازيه عن شهاب قال: لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة، فأقبل الناس بما كان معهم، وعندهم، حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق، فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في المصحف١
فقوله "فأقبل الناس بما كان معهم" يدل على إتيان الناس بالمحفوظ. وقوله "وعندهم" بالمكتوب٢.
ويقصد بالحفظ أنهم لم يقبلوا شيئاً من القرآن إلاّ إذا كان محفوظاً عن ظهر قلب. وهذا الشرط كان ميسوراً، لأن القرآن الكريم كان محفوظاً في صدور الصحابة.
أما الكتابة فيقصد بها أن يكون كتب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. أما ما كان بأيدي الصحابة من القرآن المكتوب، فكان يطلب من الصحابي الذي يتقدم به أن يُشهد على أن هذا المكتوب كتب بين يدي النبي ﷺ أو روجع على قراءته، أو سمعه وأقره. ويؤكد هذا ما قاله أبو بكر لعمر وزيد رضي الله عنهم: "اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه"٣
٢انظر: جمع القرآن ص١٠٢. والبيان في مباحث من علوم القرآن ص١٧٦، ١٧٧.
٣الأثر أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ص٦، وقال عنه ابن حجر: رجاله ثقات مع انقطاعه. فتح الباري ج٩ –ص١٢.