يقول العلامة ابن الجزري١:
" ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي ﷺ قال: " إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت له: رب إذاً يثلغوا٢ رأسي حتى يدعوه خبزةً، فقال: مبتليك ومبتلى بك، ومنزل عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرؤه نائماً ويقظان، فابعث جنداً أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق ينفق عليك"٣، فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل يقرؤه في كل حال، كما جاء في صفة أمته" أناجيلهم في صدورهم٤".
وقد ساعدهم على حفظه نزوله منجماً ومفرقاً، ولم يكن هم الصحابة حفظ ألفاظ القرآن فحسب، بل جمعوا إلى حفظ اللفظ فهم المعنى، وتدبر المراد، والعمل بمقتضى ما تضمنه من الأحكام والآداب.
قال أبو عبد الرحمن السلمي٥: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن.. أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً٦.
٢ أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
٣ مسلك: صفة الجنة ونعيمها، رقم: ٢٨٦٥، مسند أحمد برقم: ١٧٤١٤ (١٣/٣٨٧)، وانظره في الوجيز للقرطبي ص: ١٧٥.
٤ النشر: ١/٦.
٥ هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي الكوفي، التابعي الجليل، شيخ الحسنين (رضي الله عنهما)، ثقة ثبت، إليه انتهت القراءة تجويداً وضبطاً، توفي بعد (٧٠هـ)، غاية النهاية: ١/١٤١، معرفة القراء: ١/٥٢، التقريب: ١/٤٠٨.
٦ أخرجه أحمد في مسنده (٥/٤١٠)، وانظره في مجمع الزوائد للهيثمي (١/١٦٥)، والوجيز للقرطبي ص: ١٣٧.